متاهة على ورق
نمشي فنعبر فوق جسر الحياة ..تأخذنا الرياح شمالا و يمينا. نزهر،نثمر ثم تتساقط أوراقنا تماما كما الربيع حين يزوره الخريف إنما وحدها الأماني تُسْكِن ضجر الطيور .
لمحتها وهي هناك تتأمل الكون بكل ما فيه من غليان،كيف يكون الاقتراب اغترابا؟ وكيف يكون الابتسام دموعا؟و كيف يصبح القتل حلالا ؟ .
تتلون أمامها الأشكال و مطارات السفر ساكنه في كل ذرّة من تراب الارض .
(الحلم يتلاشى في الضوء :ومن قال أن الأحلام معصومة عن النهاية طالما كانت أحلاما !)
يقترب العشب الأخضر من عينيها،تلملم .. تتذكر: كنا نمشي،نلعب،نركض أطفالا صغارا - كثير من الجهل جنة- لم نكن نعرف ما يُحيكُه لنا الزمن و ما أكتشفنا أن الوقت مغامرة،و أن ثمّة وطنا و أصدقاء و أحبة و أهلا يسافرون بنا نحو أطياف الحب،الحياة،التجربة،الخذلان،الوجع،التحليق والشهية التي لا تنتهي للبدايات كلما رمتنا صفعة الى القاع!
بكسل تحركت من كرسي يحتضنها بكل ما أُثقلت به أكتافها،لتتأمل بنظرة كومة من الكتب اصطفت في انتظار لتنهل منها ما يضيف فوق الحزن- ربما- احساسا جديدا،فبعض الجمل التي نستخدمها باءت مهترئة. ترى عن ماذا كانت تبحث؟عن دليل جديد للمفردات،أم شيء ما يحرك ساكنها،فبعض الفواصل صور عمر و بعض النقاط ارتعاشات بدايات .
هواجس المساء تطلق سراح الذاكرة و تعبث بكل ما فيها..بطاقة بريدية،بطاقة عيد ميلاد،بطاقة تهنئة الخ ..بطاقات تنتشر داخل مغلف دون رحمة تدقُّ أكثر الأوقات خصوصية لنا بل إن بعضها كان حياة! تساءَلَت لماذا؟ لماذا لازلت احتفظ بهذه القصاصات من أشياء مبعثرة ! أهي قيود أم محطات شوق! آه من ذاكرة المستقبل .
( تتململ من كل هذه الأكوام،لم يعد يتسع المكان و اندهاشي عبر سنين بكل ما جمعته أغرق كل الدوائر و جعلني أهرول في صمت شفاف من ربيع الأوهام الجميلة في علاقات البشر حتى الخريف الجارح بوضوحه ).
تسبح في التنهدات و تمشي على حرير نحو الضوء الى باب حيث ترفع الستارة : لم تكن الابدية يوما عنوانا لشيء أحبته بل اعتادت أن تحمل معها من كل اقتراب غربة آتيه لا محالة.
(جمعت كل شيء و مزقته ثم رمته و كأنها اتخذت قرار مسبقا بأنها ستحارب تعلقها) ، ملل...تَيَقنَتْ كوب الشاي بعد أن برد،تمتمت:( حتى أنتَ!؟) ، يوم طويل بدأ بنهار صاخب، غابت الشمس سريعا هذا المساء ليأتي ليل يئن، تلفحها رياحه ليستفزها،تمد أصابعها لتشعل شمعه و تهبط الى قاع حروبها ..تدير الراديو تنادي أم كلثوم :أغدا ألقاك .
ضحكت..غدا أي رهان هذا !!!؟؟ وأي طاقة في موعد مفقود فوق أرض تنزف، فتستهويها اللعبة فتكمل !
(تأخذها اللحظة..تركن بهدوء تغمض عينيها و تردد :لن أحزن غدا..سأقبض على فرح يضمني كمجنونة و أعود طفله).