انحدار اخلاقي
ان الحديث حول السلوك الانساني و تصرفات البشر يجذب الكثيرين لانه يتداخل مع ادق تفاصيل حياتنا اليومية و له علاقة وطيدة بامزجة الناس و طرائق التفكير لديهم و آليات تعاملهم مع القضايا والمواقف من حولهم اضافة الى ان هذه السلوكيات تتاثر بعوامل كثيرة منها التربية و التنشئة و المستوى التعليمي و البيئة المحيطة والتجارب الفريدة التي يمر بها المرء و تختلف من شخص الى آخر .
ما دفعني للكتابة حول هذا الموضوع ما اسمعه بين الحين والآخر هنا وهناك من اصدقاء او زملاء او اقارب وجيران وهي الحلقات او الدوائر التي ينشط بها اي انسان في هذا المجتمع الذي اضحى معقد لدرجة يحار اللبيب في فهم تفاصيله .
فالملفت للنظر ان الثورة التكنولوجية -اوالانفجار التكنولوجي ان صح التعبير- و ما افرزته لنا من وسائل للتواصل الاجتماعي اعطت مفعولا عكسيا تماما لما هو متوقع منها فاضحت منصاتا لقصف الآخرين على المستويات الرسمية و الخاصة فالسواد الاعظم منا يضيق ذرعا بالرأي المخالف والكل يمتلك ناصية الحقيقة ويدافع عنها دونما دليل يثبت انها الحقيقة فعلا .
لماذا كل هذا الانحدارالاخلاقي الذي يعانيه مجتمعنا؟؟؟ ونحن الذين كنا نتغنى بترابطنا المجتمعي والاسري و مرجعياتنا الدينية والاخلاقية التي تضعنا على جادة الصواب و تضبط بوصلة سلوكنا الانساني , ويبدو ان الامر ينسحب على الحياة بمعناها المجرد بعيدا عن العالم الافتراضي فحالة التردي الاخلاقي لدى الكثيرين ماثلة للعيان ولا يمكن لنا انكارها فمن ينكر ذلك يصنع كما تصنع النعامة عندما تضع راسها في الرمال, ودعوني اطرح عليكم التساؤال التالي كمؤشر على ما اقول, ما هو شعوركم عندما تمارسون قيادة السيارة في شوارعنا الا تشعرون بشيء من الضجر والغضب والاستياء مما تشاهدونه يوميا من ممارسات تفتقد للذوق في التعامل مع قواعد السير ... الا يغضبكم منظر القاذورات التي تتطاير من نوافذ سياراتنا و في ارقى شوارع العاصمة عمان وانا هنا لا احصر الامر بعاصمتنا الحبيبة و اهلها و لكنني اقول ذلك لانها العاصمة التي تحتضن الوفود و الزوار و الديبلوماسيين, فاي فعل نقوم به هو على مرأى من هؤلاء الناس و قس على ذلك من ممارسات يومية تشعرك بالرغبة بالتقيوء مما ترى من انحطاط غير مسبوق .
وقد يقول قائل ان هذا امر فيه مبالغة كبيرة او سوداوية في الطرح, اذن فما هو رايكم بارتفاع نسب المقدمين على الانتحار بشكل يشهد الجميع انه امرغير مالوف في مجتمعنا ؟ وهل اتحدث لكم عن زنى المحارم و جرائم السطو , ام عن تجارة المخدرات التي فتكت بشبابنا و شاباتنا.
اما الفساد المالي و الاداري فلن اتطرق اليه و لن اتحدث لكم عنه لانه حديث الساعة ولا يمكن لنا ان نغطي شمس فساد الفاسدين بغربال السكوت والصمت.
اكتب لكم الان وانا احترق الما لما آلا اليه حالنا, لقد ضيعنا الامانة وطعنا باعراض بعضنا البعض وتناسينا اخلاقنا الحميدة و هجر الابن ابواه و تنكر لهما و لم يقم اي وزن لارحامه و سادت بيننا روح غريبة تبث الطاقة السلبية اينما حلت بشكل غريب
واصبح التقاتل على المكتسبات الضيقة و الصغيرة سببا في بث النزاع و الفرقة بين الاخوة و الاصحاب و الزملاء فانتشرت بيننا النميمة دونما اي رادع اخلافي او وازع ديني حتى امتلات ردهات محاكمنا بالباحثين عن الحقوق المفترضة فلم نعد نتحلى بخلق التسامح و التغافل والترفع عن صغائر الامور وباتت علاقاتنا مشحونة متوترة مليئة بالحقد والحسد والغيرة والطمع الممزوج بالتكبر والغرور
ان بداية حل اية مشكلة بغض النظر عن نوعها هو الاعتراف بوجد هذه المشكلة , فبدون ذلك لن نقوى على بحث الاسباب الناجعة لحلها, فمن المفروض ان يعلق الجرس اننا نعاني من مشكلة اخلاقية حقيقية اوصلتنا الى ما نحن فيه الان .