حصيلة القمة !
لا أظن أننا نملك منذ عدة عقود معيارا موضوعيا نقيس به حصيلة مؤتمرات القمة العربية ، فآلية الجامعة العربية التي تعتمدها في وضع جدول الأعمال ، وترتيبات عقدها تقوم على وضع الجدول والتوصيات النهائية أمام القادة العرب الذين يأخذون علما بها من وزراء الخارجية على أنها ما تم التوافق عليه بشأن جميع القضايا المعروضة عليهم في جلسة واحدة ، قلما صارت جلستين ، وقلما جرى تغيير شيء من تلك التوصيات ، وفي أحسن الأحوال يتم تصفية الخلافات أو تبادل الرأي حول أمور قد لا تكون ضمن جدول الأعمال أو التوصيات ، من خلال مشاورات جانبية ، ومصالحات تكسر حاجز القطيعة لا أقل ولا أكثر .
قليلة هي القمم التي شكلت موقفا ، أو تحولا ما ، ولكنها عادت إلى السياق العام بحكم التطورات والأحداث ، وخاصة منها تلك التي تعلقت قراراتها بالصراع العربي الإسرائيلي قبل اتفاقيات السلام ، وبعد اتفاقيات كامب ديفيد التي انتقلت الجامعة العربية إلى تونس على إثرها ، وكذلك القمة التي انعقدت في القاهرة على إثر الاحتلال العراقي للكويت ، حيث كان النقاش والاختلاف والاتفاق بين القادة وجها لوجه ، وكانت حصيلة ذلك المزيد من سوء العلاقة والقطيعة !
في دورتها العادية المتفق عليها سنويا انعقدت القمة في عواصم عربية عديدة كانت نواكشوط الأخيرة قبل انعقاد القمة عندنا في البحر الميت تحمل اسم قمة عمان التي صدر البيان معنونا باسمها ، وتلك هي القمة الرابعة التي يحتضنها الأردن بعد القمة الاقتصادية عام 1980 ، وقمة الوفاق والاتفاق عام 1987 ، وأول قمة عربية يترأسها جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين عام 2001 ، وجميعها شكلت أرضية لقدر معقول من التفاهم بين القادة في ظروف معقدة ، تزامنت مع بداية عداوة أظهرتها إيران تجاه السعودية والكويت والعراق ، أو اعتداءات إسرائيلية على لبنان ، وفي الضفة الغربية وغزة ، وغير ذلك من مظاهر التعدي على الأمن القومي العربي ،وعلى المصالح العربية ، وعلى استراتيجيات التعاون المشترك في المجالات الاقتصادية والقطاعات الأخرى .
كيف نحكم على نتائج القمة إذا كان المعيار قائما على قياس الأمر الواقع بالطموحات المشروعة للأمة العربية ، في هذه الحالة النتيجة محسومة سلبا ، ولكن لماذا لا يكون السؤال مبنيا ، على فهم طبيعة الصراعات التي تحدث في منطقة يوجد فيها النفط وإسرائيل وقوى إقليمية ناشئة على موروث الماضي البعيد أو القريب ، تتعامل مع الحاضر بمنطق الأجداد القدامى ، ووهم التميز ، وعقدة الدور ، تغذيها تحالفات مع القوى العظمى التي تنظر الى المنطقة التي نحن فيها على أنها عصب كل شيء عندها ، سواء على شكل نفط ما زال يتدفق ، أو مياه دافئة ، ومبيعات أسلحة ، ومصالح متداخلة!
كل من حضر إلى البحر الميت ، جاء محملا بهموم الصراعات بينه وبين غيره ، أو على حدوده ، أو في عقر داره ، والتحديات أكبر بكثير من مجرد قرار يتضمنه بيان عمان يقضي بتوحيد التفكير والموقف ورد الفعل ، فتلك شبكة من التعقيدات المتراكمة منذ ما يزيد عن سبعين عاما ، بل إن التحالفات العربية المختلفة تصل حد التناقض داخل البيت العربي نفسه .
ولكن رغم ذلك كله ، فإن ما حصل على أرضنا من حضور عربي ، يدفعنا نحن الأردنيين إلى إعادة النظر في طريقة فهمنا ليس فقط لدورنا في هذه المعادلة الصعبة ، بل لكيفية التعبير عن كياننا السياسي ، وموقفنا من أنفسنا ، ومكانتنا على الخارطة العربية ، ومكانة مليكنا على الساحة الدولية ، وقدرته على التأثير ، وتغيير مواقف الدول الفاعلة تجاه المصالح العربية ، وتجاه الإسلام الحنيف ، مستندا إلى الحقائق مقرونة بالقيم والمبادئ الإنسانية التي لا تستقيم الحياة من دونها ، ولا تصلح العلاقات وتقام المصالح من غيرها .
حصيلة القمة ، أن الأردن يستطيع أن يظل في القمة ، ولم لا ؟