هل نعيش الوعي العالي أم المنخفض؟
هناك عوالم داخلنا تحركنا كيفما تشاء، تارة إيجاباً وتارة سلباً، لكن نحن من يجعلها تتحكم بنا، فهي سلسلة من الاعتقادات الداخلية الباطنة في أعماق أنفسنا. إذاً، ما يحركنا وما يتخذ عنا القرارات هي اعتقاداتنا الداخلية التي تكورت وتشكلت بعوامل عدة، تنشئة اجتماعية أو مواقف وتجارب حياتية، فإما أن تجعل وعينا عالياً ومنتجاً وفعالاً، وإما أن تجعله منخفضاً ومستنزفاً، والجميل أننا نستطيع أن نغيره لمصلحتنا متى ما تحمّلنا مسؤولية أنفسنا وتوقفنا عن لوم أي شيء في حياتنا، من هنا يبدأ التغير.
بعضنا يستاء من ظرف معين أو نتيجة معينة، يبدأ البحث في الخارج، يبحث في الظروف والنتائج والمواقف فيضيع الكثير من الوقت والجهد ولا يصل إلا إلى شيء طفيف وبسيط، وربما لا يصل إلى شيء، أو إذا تخلص من سلبيات هذه النتائج ظهرت سلبيات أخرى، حتى البعض يقتنع في داخله بسوء حظه العاثر أو حياته الشقية، لكن ليس كل ذلك صحيحاً، فغالب هذه الظروف والنتائج هي حصيلة شيء في داخلنا وهو الاعتقاد الداخلي، ينظر الفرد إلى نفسه بعاثر الحظ ويكرر البعض «حظي سيئ»، ما يجعله يوسع دائرة هذا الإحباط، أو بالأصح يزيد قوة المعتقد حتى يتأصل شيئاً فشيئاً إلى أن يصل إلى أبواب موصدة أمامه.
نعم هناك ظروف وتجارب يمر بها الفرد غير جيدة، لكن طبيعة الحياة متغيرة وليست ثابتة، نختبر عمق الأشياء ونتعلم منها، يساعدنا في الخروج من هذه الوقفات أو الأزمات هو قوة الاعتقاد في داخلنا، إن كان الاعتقاد قوياً وذا أساس متين وإيجابياً فسيقوم من تحت الأنقاض ويبدأ من جديد. هناك من تعرض لانهيارات مالية كبيرة نهضوا من جديد، بل كانوا أكثر قوة من السابق، وتعلموا الشيء الكثير، وساعدهم في ذلك هو قوة الاعتقاد في التحدي والعزيمة والنظرة الإيجابية في كل شيء، هزموا الفشل بقوة الأمل.
هناك المنجزون والقادة الذين ساعدوا ملايين البشر أمثال غاندي ومانديلا، بداية طريقهم عانوا الفشل والعثرات، لكنهم وصلوا كما يرغبون، لم يستسلموا بل كانوا أشد قوة وتمكن في إثبات مبادئهم الإنسانية، امتلكوا مبدأ الإرادة والعزيمة وهذا لم يأتِ من فراغ، بل من شيء خفي داخل عقولهم، هو قوة الاعتقاد الإيجابي بأنه لا شيء اسمه مستحيل. من هؤلاء نتعلم كيف ألا نستمع للمحبطين واليائسين ومن سيطرت عليهم اعتقاداتهم الداخلية السلبية والمتشائمة، ويا ليتهم يصمتون، لكن «الأنا» الخاصة بهم تحاول أن تتصيد أي أحد في طريقها، لكي تكبر على حساب الآخرين، هذا ما علينا الآن ملاحظته وعدم استقبال تلك الرسائل المحبطة وتلك النظرة المتشائمة مهما اعتلتنا من ظروف، ولنسأل أنفسنا أيهما أفضل، أن نعيش الحياة بإيجابية أم الخنوع لضعف؟ الإيجابي اليوم هو أننا نستطيع تحويل تلك الاعتقادات السلبية إلى إيجابية متى ما اشتغل وفعّل الوعي لدينا، أولها إنصات إلى ما يقوله لنا صوتنا الداخلي، فطرتنا التي وجدنا أنفسنا بها، وهي الإيجابية والاعتماد على الذات، طبيعة الإنسان تميل للحركة والعمل وبذل الجهد، وما يعتريها من منغصات ما هي إلا محطات ومواقف موقتة لفهم رسائلها فقط ولنتغير للأفضل، بطبيعتنا نحب الحياة فالحب والحركة هي أهم أدواتها.
ضرورة تأمل اعتقاداتنا، هل هي متفائلة أم محبطة؟ ماذا خلف هذه الاعتقادات؟ هل هو الخوف أم الغضب أم النظرة الدونية؟ عندما نعرف ماذا يوجد خلفها أصبحنا جاهزين للتغيير، فتبدأ الرحلة من السلبيات إلى الإيجابيات، أي تحفيز الوعي على الظهور، هذا الوعي سيبدأ في برمجة جديدة غير القديمة، مثلاً: «أستطيع أن أعمل وأحقق نجاحاً بارعاً متى ما رغبت»، هذا الاعتقاد يعزز الثقة بالنفس، ربما تكون فكرة في البداية، نؤمن بها ومع مرور الوقت يتحول إلى اعتقاد ثابت، والاعتقاد هنا «أستطيع أن أفعل»، عندما ندرك قوة الوعي وحضوره سيختزن تلقائياً في العقل الباطن في اللاوعي، هنا سينفذ فقط كل ما نريده، لذا ما زالت الفرصة أمامنا في تغير اعتقاداتنا وأفكارنا من الداخل بوعي وإيجابية، وسيتحول من وعي منخفض إلى وعي عالٍ ومرتفع. أثبتت ليزي فيلاسكويز مدى قوتها في إثبات وجودها الإنساني، على رغم المرض بقوة اعتقادها الداخلي «أستحق أن أعيش حياة كريمة وجميلة»، ومن هنا كانت انطلاقتها لإثبات وجودها، على رغم المرض الضعف والنحول الشديد وشيخوخة الأطفال وضعف في نمو الأنسجة الداخلية، وعلى رغم ذلك لم يشفع لها، بل قوبلت برفض الآخرين ونبذها لمرضها، وقالوا عنها «أبشع امرأة في العالم»، كان أكبر تحدٍ لها أن تخوض معركة إثبات الوجود واستحقاق العيش مثلهم، ليزي فيلاسكويز تحدت الجميع في أول كتاب ألّفته «ليزي الجميلة»، و«كن جميلاً.. كن أنت» ثاني كتاب، واستطاعت عمل العديد من ورش العمل وتقديمها للأفراد عن التعامل مع الخوف والتغلب على العقبات.
من جعلها تقوم بكل ذلك هو قوة الاعتقاد الداخلي لديها «أنها تستحق أن تعيش حياة أفضل وأجمل»، فلنتأمل ونتعلم.