من يوقف القتال في سورية
الموقف الأصعب فيما يتعلق بالأزمة السورية يكمن تحديدا في رفض ممارسات النظام السوري ورفض ممارسات العصابات الإرهابية على الأراضي السورية، ويصبح أكثر صعوبة عندما نرفض التدخل الأجنبي في سورية، سواء كان شرقيا أو غربيا، لأن رفض كل ذلك قد يبدو وكأننا لا نقدم حلا حقيقيا لمعاناة الشعب السوري الواقع بين عديد المطارق والسنادين، وسيبدو كل من يتخذ موقفا كهذا وكأنه يتاجر بالمثالية على حساب حياة الناس وارواحهم.
الحديث عن حل سياسي بحت في سورية هو أيضا امر غير واقعي في ظل الظروف الحالية المعقدة، وهو في الوقت ذاته حل يحتاج الى وقت طويل سيدفع خلاله المزيد من الأبرياء حياتهم ثمنا للصراعات بين مختلف القوى بكل مسمياتها، بما فيها الصراعات الدولية والإقليمية التي تجري على الأرض السورية بالوكالة.
المطلوب يتلخص بكل واقعية في إيقاف القتال، وقتها فقط يمكن الحديث عن حماية المدنيين ويمكن الحديث أيضا عن حلول سياسية، ولكن وقف القتال لا يمكن ان يتم الا بوسائل عسكرية، وهنا يكون السؤال الأهم عن الجهة التي يمكن لها ان تفرض وقفا للقتال باستخدام القوة، في ظل رفض الجميع لتدخل الجميع، فمن يوقف القتال في سورية؟
الأمم المتحدة هي الجهة الوحيدة القادرة على التحرك باعتبارها مظلة لكل دول العالم، حيث بإمكانها ان تقوم بتشكيل قوات متعددة الجنسية بقيادة مباشرة منها، على ان تكون مهمة هذه القوات الأساسية إيقاف العمليات القتالية في سورية وفرض مناطق آمنة للمدنيين، والتعامل العسكري المباشر مع أي خروقات يمكن ان تقوم بها أي قوة على الأرض.
هذا الاجراء سيخلق الأرضية المناسبة للبدء في خطوات حل سياسي تقوده الأمم المتحدة، حل يقوم على تحقيق العدالة الانتقالية من خلال محاسبة كل من تورط في جرائم ضد الشعب السوري، وفي الوقت ذاته إعادة بناء مؤسسات الدولة السورية ضمن اطر ديمقراطية تمكن كل من لم تتلوث يده بدماء السوريين من المشاركة في عملية سياسية تهدف الى إعادة الاستقرار من جهة والى بناء دولة سورية ديمقراطية تحترم حقوق الانسان ومبادئ التداول السلمي للسلطة من جهة أخرى.
ومهما كانت الانتقادات للأمم المتحدة كثيرة، الا انها تظل الاطار الدولي الوحيد الذي يمكن ان يلعب دورا محايدا في هذا الصراع، ويمكن ان يكون مقبولا من جميع الأطراف، ومهما كانت التجارب السابقة مؤلمة الا ان الواقع الحالي واستمراره كما هو اكثر ألما وخطرا، ليس على سورية فقط وانما على المنطقة والعالم.