الوطن أهم من الخبز
منذ فجر التاريخ والأردنيون قابضون على الجمر ، وتقاسموا الدار والدوار مع أشقاء ضاقت بهم الأرض بما رحبت ثم قصدوا شرقي النهر ، ليجدوا شعبا عربيا مضيافا فعادت سيرة المهاجرين والأنصار للحياة من جديد .....
ولقد مرت على الأردن سنين عجاف كثر لم تنحني بها الجباه إلا لله ، وضربت أروع صور التلاحم بين القيادة والشعب فكان لسان حال الجميع يهتف لبيك يا وطني .....
واليوم ونحن نتفهم انعكاسات أزمات الربيع العربي والتغيرات الديموغرافية والتحولات السياسية وأطماع أقطاب القوى العالمية في المنطقة على الأردن لا نتفاجأ بالقول القائل بأن الوضع الإقتصادي صعب ويحتاج إلى تضحية ، ويتطلب شد الأحزمة وتقنين النفقات واعادة النظر بقانون الضرائب.
ونتفق أيضا أن سياسة ترحيل الأزمات من حكومة لأخرى تؤذي الوضع الاقتصادي وتوصل لأزمات غير قابلة للحل .....
كل ذلك أبجديات الحديث الإقتصادي اليوم وليس بحاجة لتسويق إعلامي لإقناع الشارع الأردني بضرورياته ولكن هل رغيف الخبز هو الخيار الوحيد ؟ هو وأساسيات موائد الغالبية البائسة من العوائل الأردنية ؟
إذا كانت الإجابة بنعم فلن تجد فردا فيها يمانع أو يعارض رفع الدعم المزعوم عنه ،لا بل ولن ينتظر أحد منهم دعما مقابل ذلك رغم مرارة الألم وكبد العيش وسوء الحال .....
ولكن يا سادة .... هل عجز خبراء الإقتصاد الأردني ومستشارو السياسة الإقتصادية وواضعوا الخطط الإستراتيجية وأصحاب الألقاب من عطوفة وسعادة ومعالي ودولة عن إيجاد خيارات أقل وطأة وأفسح حيزا من هذا المنحى المتعرج الخطير ؟
هل تمت مراجعة نسب التحصيل الضريبي في السنوات الأخيرة ومقارنتها بمثيلاتها في الخوالي من السنين؟ وهل عجزت أذرع مؤسسات التحصيل الضريبي عن خفض نسبة التهرب الضريبي الذي يشكل عبئا على خزينة الدولة ؟ ثم ان الحديث عن رفع الدعم عن الخبز جاء أصلا لأن غير الأردني يستفيد من الدعم وكان الحديث عن تعويض كل من هو أردني في حال تحرير سعر الخبز واليوم نسمع طرحا مغايرا يربط دخل الأسر باستحقاقها الدعم من عدمه ،أي تقلب هذا ؟ هل تغير الطرح بسرعة البرق؟ وهل كماليات العيش واللهو التي لا نعرفها نحن آكلوا الخبز ويعرفعا الفارهون السابحون في نعيم العاج حرام رفع نسبة الضرائب عليها ؟ لماذا لا يعاد النظر بقانون البنوك ونسبة الضرائب على أرباحها ؟ لماذا لا يعاد النظر بقانون الشركات وقانون الفنادق والمطاعم التي لا نعرف لها طريقا ولا لطعامها طعما لأننا تعودنا مذ صفرنا على الخبز وليس على الكافيار ولحم الغزال ......
أيها السادة ......
ان من الحكمة أن ننزل من بروج العاج لنلتقي على الأرض ..... هذه الأرض التي أنجبت الحسين رحمه الله وأنجبت عبدالله أعز ملكه الله وأنجبت وصفي عليه رحمة الله لن تخذلنا .....
نعم لن تخذلنا ان أحست بحنان الآباء والأجداد واشتمت ريح العرق يخرج جراء التعب والعمل الجاد والمخلص وستدعم الجميع ،لأنها أرض طيبة طهور.....
اننا نرسل هذه الاستفهامات على صيغة الاستدلال لا على صيغة الإستفهام ، لأننا نعلم جيدا أن الفقر عدو الأمن وعدو الإستقرار .....
ولأننا نعي قرب اضمحلال بل فناء الطبقة الوسطى من المجتمع الأردني وأن رحيلها يعني تحولا غير مسبوق في هذا النسيج المحافظ على كينونته منذ أمد بعيد .....
أيها السادة .....
ليس حبا بالحديث كتبت هذه الكلمات وانما حبا للوطن ومليكه وعرشه المفدى ونحن من رضع هذا الحب وأمهاتنا كن يحصدن سنابل ذهبية ليأكل منها حينها من يتشدقون اليوم بحب الوطن وهو منهم براء ، لأنهم نهشوا الوطن كما السباع تنهش فريستها في الغاب وتركوه عظما يئن ألما وحسرة .
اذا كان الوطن حقا بحاجة لخبز ولدي فالوطن أولى به لأنه تربى على أن: (نصف البطن يغني عن ملاته ) واذا كان الوطن حقابحاجة لجزء من مرتبي الشهري فهو تحت تصرفه هنيئا مريئا لأننا تعايشنا مع أن التدبير نصف المعيشة وإذا كان الوطن حقا بحاجة لدماء فلن يتسع خندق أو نهر للدماء لأن أباءنا ضحوا كما الأجداد .....
ولكن ياسادة تذكروا أن جلالة الملك المفدى يطوف العالم حاملا هم الوطن والمواطن على كتفيه وينتظر حسن الأداء من الجميع كل في موقعه، فحري بنا أن نتهافت على التضحيات ولكن بأن نبدأ بأنفسنا وأن لا نسعى لمزيد من الأزمات لأن الوطن كفاه أنين .