القانون والكرامة
شهد الاسبوع الماضي سلسلة من الاحداث التي مست بكرامة الناس وبعضها يكشف كيف يمكن أن يطوع القانون في البيئات الهشة ليضفي طبقة جديدة من الفساد او التعسف في استخدام السلطة او يثير استفزاز الناس والحطّ من كرامتهم في ظروف صعبة بالمعنى الحقيقي هذه المرة؛ فالدولة بكل مؤسساتها وامكانياتها ورجالها ونسائها بحاجة لتمرير هذه المرحلة؛ من حادثة اعتراض باص إربد الى حادثة "عربة ام رامز وامانة العاصمة" الى تصريحات غير مسؤولة لمسؤولين؛ وكأننا امام عمل ممنهج لاستفزاز الناس، وهذا استنتاج غير صحيح بالتأكيد، لكن أكثر ما يشير اليه ضعف آليات التجنيد والتصعيد في الطبقة السياسية والادارية الذي يعكسه تصرف افراد من هذه الطبقة في اوقات الأزمات تحديدا.
وجد القانون في الأصل وعبر التاريخ وفي كل المجتمعات من اجل حماية حقوق البشر؛ وصلب مسألة الحقوق كرامات الناس. ووجد القانون لحل الخلافات ومنع اختطاف القوة التي يفترض ان تحتكرها الدولة، أي صيانة الكرامة من جور التعسف بالقوة، ووجد القانون ايضا لاقامة العدل ليس في حل النزاعات وحسب. بل نجد الدولة التي تصون القانون وتبني مؤسساتها عليه وتنشئ نخبها على احترامه تعمل آلتها من تلقاء نفسها في حماية حق الناس في الوصول الى فرص عادلة ومنصفة وفي التنمية والخدمات والعمل ما يعني جوهر الكرامة الانسانية.
في هذا الجزء من العالم وأقصد العالم العربي والشرق الاوسط وبما فيه الأردن، تشكلت ثقافات المجتمعات المحلية على مزيج من الحساسية العالية حيال الكرامة وفق فهمها؛ اي انها طورت مفهومها المعدل لمسألة الكرامة؛ فعلى الرغم ان مبدأ احترام كرامة الانسان مبدأ عالمي وقد افتتح به الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عن الامم المتحدة وفي الجملة الاولى منه، وباسم الكرامة اشتعلت الثورات وحركات تغيير كبرى، الا ان الثقافات المحلية المشار اليها دفعت بفهم خاص لهذه المسألة يبدو في التنبه والحساسية العالية للكرامة في الحيز العام القريب، وفي اطار الفعل المباشر والآني المرتبط بالذوات، فيما تغافلت عنه في الحيز العام او فيما يتعلق بالشؤون العامة، فهي غير معنية بضياع هيبة القانون في المسائل العامة وغير معنية بالمال العام، ببساطة لأن الثقافات المجتمعية والسياسية غير معنية بالشأن العام وما تزال تعتقد أنه لا يهمها ولا تربطه بمصالحها ولا بمستقبل أبنائها.
من أبسط مفاهيم الكرامة توفير ظروف عيش ملائمة للبشر ما يجعل الظروف التي تلجأ فيها الدولة الى إحداث تغيير في معادلات العيش السائدة سواء في رفع الاسعار او الضرائب او عجز النظام الاقتصادي عن توفير العمل الكريم ظروفا تمس في المعادلة التقليدية للكرامة الأمر الذي يفترض ان تطور النخب الرسمية والمؤسسات مجسات ونظاما عصبيا يجنبها كل اشكال الاستفزاز لا أن تذهب اليها.
ان اصلاح العلاقة بين السياسة والقانون في بلادنا يمكن ان تستقيم بإصلاح فهمنا لثلاثة مفاهيم مركزية وهي: الانتماء والصالح العام والولاء؛ كيف يمكن ان نخلق فهما وطنيا يثبت بالغرس الثقافي بأن الانتماء محصلة لكل عوامل الثقافة والتاريخ والأرض والإنجاز والمصالح، وهو قيمة لا تقبل المساومة ولا التغيير ولا المناورة، وان يتم الفصل بين فهمنا للولاء السياسي والانتماء الوطني في حين ان القانون هو اكبر ضمانة للصالح العام، فما دامت القوى السياسية والاجتماعية والاحزاب ومؤسسات المجتمع والنخب ترى الصالح العام بطريقتها او ترى الوصول اليه بشكل او بآخر، فإنّ على الجميع ان يجعل من حضور القانون ونفاذه هو الأساس المتين لتعريف الصالح العام والعمل من أجله.