حديث الرئيس !
ليس من العدل ولا المنطق الوقوف على كلمة قالها رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز لبرنامج نبض البلد من قناة رؤيا التلفزيونية ، يكفي أن نلخص مجمل الحديث على أنه يدل على الجدية والالتزام والسعي إلى ما هو أفضل ، إنه في الواقع أمام تحديات وأعباء كبيرة في مرحلة شديدة التعقيد محليا وإقليميا ودوليا ، والطريق أمامه ما تزال وعرة حتى الآن .
إن محاولات الدخول من الأبواب المردودة ، وليس المغلقة ، تبدو واضحة عندما تحدث عن الجوار الأردني ، ولكنه يملك على المستوى المحلي مفاتيح الأبواب المغلقة بين القطاعين العام والخاص ، وقد حان الوقت لكي يخرجها من جيبه بما أنه يعمل على الانتقال من مرحلة أن تكون الحكومة هي المشغل الأكبر للمواطنين إلى مرحلة يصبح معها القطاع الخاص هو المشغل الرئيس للقوى العاملة .
لا توجد إحصاءات دقيقة عن نسبة العاملين في القطاع الخاص ، مقارنة بالحجم الكلي للقوى البشرية الأردنية ، ولا أقول مقارنة بالعاملين في القطاع العام ، ولكن عملية التشغيل في حد ذاتها كأحد وسائل التخفيف من حجم البطالة والفقر ليس له أي أثر على عملية الانتاج والتحديث والتطوير ،إذا كنا نتحدث عن الجانب الاقتصادي ، وليس الاجتماعي على أهميته !
قلت في الماضي ، وأعيد مرة أخرى ، إذا لم يصبح القطاع الخاص جزءا لا يتجزأ من منظومة التفكير والتخطيط والإدارة الإستراتيجية للاقتصاد الوطني ، فسيظل الحديث عن العلاقة بين القطاعين العام والخاص ، كالحديث عن الطلاق الصامت ، الزوجان منفصلان تحت سقف واحد ، وكلاهما يعتقد أن المبادرة يجب أن تأتي من الطرف الآخر ، وكل منهما يظن أنه صاحب الفضل على الأولاد لأنه موجود في المكان !
كل المحاولات الرامية إلى إقامة شراكة بين القطاعين باءت بالفشل ، والسبب الوحيد يتمثل في عدم قبول مبادئ الشراكة التي تبدأ من صياغة التشريعات والقوانين وصناعة القرار وصولا إلى تحمل المسؤوليات والنتائج ، والرئيس يعرف بحكم خبرته السابقة ، وموقعه الحالي أن القطاع العام يتحكم في القطاع الخاص ، ويفرض عليه كل شيء من منطلق الإدارة العامة لشؤون الدولة ، وذلك أمر طبيعي إلا إذا أدى إلى تعطيل حيوية هذا القطاع ونموه واتساع مجالاته وآفاقه ، كما هو حاله الآن !
هنا يعجز القطاع الخاص عن استيعاب المزيد من القوى العاملة ، والأخطر من ذلك أنه قادر على التخلي عن القوى الزائدة عن حاجته ، تبعا لتراجع أعماله ، نتيجة الأزمات الاقتصادية وزيادة الضرائب ، وغير ذلك مما جعل العديد من عمالقة الخبرة في الأزمات الاقتصادية العالمية يرفعون صوتهم عاليا ليقولوا للدول المتعثرة ألغوا الضرائب بلا تردد ، كي تستعيدوا الحيوية والنشاط الاقتصادي من جديد !
لست ممن يتبنون فكرة ثورية من هذا النوع ، ولكن المنطق يقول لنا ما من حكومة مهما بلغت من العبقرية تستطيع وحدها حل أزمة اقتصادية إلا إذا عرفت كيف تحشد إلى جانبها جميع الأطراف ذات العلاقة والتأثير المباشر في العملية الاقتصادية ، وفي مقدمتها القطاع الخاص بما يملكه من قدرات ، وما يستطيع تحمله أو التضحية من أجله في سبيل المصالح العليا للدولة.
نعم ، لا بأس في أن يفكر الرئيس في جعل القطاع الخاص المشغل الرئيس للقوى البشرية ، ولكن الخطوة الأولى في هذا الاتجاه تفرض إيجاد أرضية للثقة المتبادلة ، وفتح الآفاق أمام ذلك القطاع كي يتوسع ، لكي يتسع للمزيد من القوى العاملة المدربة ، وغير المدربة !