التعايش «إجباري» بين الحكومة والنواب والإستحقاق الأهم قريبا

العودة السريعة المباغتة في البرلمان الأردني لإيقاعات التواصل بين المجموعة النشطة في المبادرة النيابية وحكومة الرئيس عبدالله النسور لا توحي فقط بأن الحكومة باقية وستواصل العمل خلال نهاية العام الحالي وعشية الدورة الجديدة لمجلس النواب بعد نحو ثلاثة أشهر.
لكنها عودة تعيد إحياء وتنشيط مبادرة الشراكة بين السلطتين بعدما حصل خصوم المبادرة ومنهجية الشراكة على حصتهم متكاملة في محاولات إعاقة المشروع وعرقلته ومناكفته والشغب عليه، الأمر الذي سيعتبر من الأوراق التي ستحدد شكل وهوية المجلس المقبلة بعدما تتحول المبادرة إلى «كتلة» مسجلة رسميا.
وهو ما يرحب به رئيس مجلس النواب المهندس عاطف طراونة عندما يمتدح السلوكيات المنظمة والواضحة على أساس كتلوي بصورة تخدم إتجاهات «مأسسة» العمل البرلماني.
تقييمات الطراونة كما سمعتها «القدس العربي» مباشرة للمبادرة وأعضائها وبرنامجها إيجابية ومنتجة خصوصا وأنه «مهتم جدا» هذه المرة بترشيح نفسه لإنتخابات رئاسة مجلس النواب عند الإستحقاق الدستوري على أساس «برامجي» واضح ومعلن ويقبل التقييم والمراجعة بعيدا كلاسيكات العمل البرلماني.
يؤكد مؤسس ومنسق المبادرة النيابية الدكتور مصطفى حمارنة في كل المناسبات ويتفق معه الطراونة على ان مشوار إنضاج العمل الكتلوي الجماعي في سلطة التشريع محكوم بالتجارب المسؤولة بعدما وفرت القيادة السياسية وبدعم وإسناد علني من الملك عبدالله الثاني شخصيا الغطاء لبرامجية العمل ودفعت بإتجاه تطوير آليات الدور الوطني للبرلمان.
يؤكد طراونة ان التوافق مع رؤية الملك الإصلاحية فيما يتعلق بتأمين وحماية الدور الوطني لمؤسسة مجلس النواب ضرورة ملحة مرحليا وهي مسؤولية مناطة بالمجلس وأركانه معتبرا أن «المبادرة» بكل الأحوال لعبت دورا إيجابيا ومنتجا في إشاعة ثقافة العمل البرامجي بالتنسيق والعمل مع بقية الكتل البرلمانية التي تشعر الآن بالحاجة الأساسية لتنظيم الدور والعمل خصوصا في ظل وجود «رئاسة مخضرمة» ومحنكة للمبادرة يمثلها النائب سعد هايل السرور. لهذا تبدو الأجواء «تصالحية وتوافقية» هذه الأيام عشية إنشغال النواب الأردنيين بتحديات المرحلة وبالتحضيرات للدورة العادية المقبلة بعد إغلاق الدورة الصيفية الإستثنائية بالتعامل مع نحو 13 تشريعا وببروز ملامح خطة مؤسسية داخلية تسعى لإعادة إنتاج صورة وهيبة مؤسسة النواب.
المجلس بهذا المعنى يشهد تطويرا ملحا للأفكار والمقترحات التي تحاول عدم الإستسلام للإنطباعات السلبية الناتجة عن هتافات في الشارع أو قوى تحاول عرقلة النواب خصوصا وان مجلس النواب أصبح لاعبا أساسيا وشريكا لمؤسسة القصر في تكليف «حكومة المشاورات البرلمانية» التي ترأسها لأول مرة النسور ضمن آلية من الواضح أنها اليوم تحبط إستسهال قرارات» التغيير الوزاري».
مصدر مهم وأساسي يبلغ «القدس العربي» بأن القرار السياسي متخذ مبكرا بأن يتمأسس الإنطباع لدى النواب والوزراء بـ»قدرية البقاء معا»..المعنى أن الحكومة والمجلس الحالي لن يرحل أحدهما دون الآخر بقرار سياسي بل سيرحلان معا إذا إقتضت الضرورة وهو تقليد جديد سيفرض نفسه لإن آلية المشاورات البرلمانية تتطلبه.
نتيجة ذلك أن «التعايش» بين المجلس وحكومة النسور التي حازت على ثقته مرتين على الأقل قد يصبح «ممرا إجباريا» لسلطتي التنفيذ والتشريع، الأمر الذي تدركه رئاسة مجلس النواب وقيادات المبادرة النيابية مما يبرر عودة التواصل وإن كان بالتدريج بين سياقات المبادرة وفعاليات الوزراء على أساس أن المطلوب من الجميع أن يعمل ويقوم بواجبه كما يقول الحمارنة.
هذا التعايش يصبح إلزاميا أكثر مع عدم وجود «منافسين» في الساحة لحكومة النسور التي بدأت بدورها ومنذ عدة أيام فقط تفتح ملفات الخطط السياسية بعدما شارفت على الإنتهاء من «الاقتصادية».
من هنا تحدث النسور قبل يومين وهو يلتقي قيادات نقابية وحزبية عن ثلاثة قوانين من المرجح أن تركز عليها الحكومة في المرحلة اللاحقة وهي ملفات قوانين «الإنتخاب والبلديات والأحزاب» على أن تنشغل الحكومة برؤية تطويرية في هذه المساحات من الواضح أنها أثارت وستثير الجدل عندما يصل الجميع إلى إستحقاق التوقيت التشريعي.
الولوج في مرحلة تشريعات الإصلاح السياسي الثلاثة يتطلب خريطة برامجية لأسس التكتل في الدورة العادية المقبلة للمجلس وهذه الحقيقة يدركها الجميع كما يقدر النائب محمد حجوج وهو يرى ان العمل الكتلوي الصلب ما زال هشا ويبنغي أن يتطور فعلا مقدرا بأنه من الصعب إفتراض «إنجازات حقيقية وجوهرية» في مساحات إشكالية ومهمة مثل الإنتخاب والأحزاب بدون «وعي برامجي ومؤسسي» متطور ومختلف في إستخلاص يدعمه الطراونة ويوافق عليه.
عمليا التوقف عند هذه المحطة وسط الإقليم المشتعل والمفتوح على كل الإحتمالات والخيارات قد يتطلب تمحورات وتفاهمات طازجة في البرلمان على مستوى هذا الطرح السياسي.
وهي تفاهمات من الصعب وفقا للمراقبين إنتاجها في حال عودة أي من الرموز التي سبق أن جربت في البرلمانات السابقة لسدة رئاسة المجلس أو في حال بقاء معركة إنتخابات رئاسة المجلس ضمن إعتباراتها التقليدية سواء كانت جهوية أو مناطقية بسبب غياب الأحزاب عن البرلمان.
وكذلك من الصعب إنتاج الحالة نفسها إذا لم يتطور العمل الكتلوي والبرامجي على أقل تقدير وإذا- وهذا الأهم- لم تسقط شعارات تفرغ الإنتخابات العامة من مضمونها الوطني والسياسي من طراز» الحقوق المكتسبة أو المنقوصة « على أن يحصل ذلك لصالح العدالة والنزاهة والتنمية السياسية كما يرى الطراونة.