النواب أقروا قانون الانتخاب بنسبة 56.7%

أعاد مجلس الأعيان مشروع قانون الانتخاب إلى مجلس النواب الأربعاء الماضي بعد إدخال تعديل إجرائي لمعالجة شغور أي مقعد نيابي في المجلس السابع عشر الحالي إلى حين إجراء الانتخابات النيابية المقبلة على أساس القانون الجديد.
وليست ثمة خلافات بين غرفتي التشريع "النواب والأعيان" حول هذه الإضافة الوحيدة التي أدخلها الأعيان على مشروع القانون، والذين أمضوا نحو ثلاث ساعات في مناقشته صباح الأربعاء الماضي، فيما تؤكد كل المعطيات أن مجلس النواب سيستعرض إضافة الأعيان اليتيمة وسيوافق عليها دون خلاف.
لقد بدت مناقشات مشروع قانون الانتخاب الجديد الذي سينظم انتخابات مجلس النواب الثامن عشر سريعة إلى درجة ان انتقادات عديدة وجهت لشكل ومضمون تلك المناقشات قياساً بأهمية وقيمة مشروع القانون الذي حط في أدراج مجلس النواب منذ شهر أيلول الماضي، وأجرت اللجنة القانونية السابقة سريعاً حوارات مفتوحة ومتعددة حوله مع كافة شرائح المجتمع الأردني بدأتها داخل أروقة المجلس مع مسؤولين حاليين وسابقين وممثلي مؤسسات مجتمع مدني ووسائل الإعلام وخبراء، وأتبعتها بجولة شملت سائر المحافظات، ونتج عن هذا "الماراثون" 1123 مقترحاً لُخّصت في خمسة مقترحات رئيسية، حل في مقدمتها المطالبة بإعادة القائمة الوطنية.
ومع شروع مجلس النواب بدورته الحالية، بدأ الضغط الحكومي غير المعلن على المجلس وعلى اللجنة القانونية الجديدة، ما دفع باللجنة للإعلان عن بدء مناقشتها للقانون مطالع شهر كانون الثاني الماضي.
كان المشهد واضحاً أمام اللجنة القانونية وأمام عشرات النواب الذين وجهوا انتقادات مباشرة للجنتهم القانونية، ولم يتحرج بعضهم من التشكيك بأن مشروع القانون سيمر من اللجنة القانونية ومن مجلس النواب كما ورد تقريباً من الحكومة أو حسب التوافق معها.
وبازدياد منسوب الضغط الداخلي والخارجي، اجتمعت اللجنة القانونية على عجل وأقرت مشروع القانون في ساعة واحدة وفقاً لما أعلن عنه النائب جميل النمري يوم في مقالة له يوم 14/2 بدت أكثر من ناقدة لقرار اللجنة.
كان مشروع القانون في حد ذاته مدار خلاف وجدل بين طرفين رئيسيين في المعادلة السياسية؛ الطرف الأول يتمثل بمن هم خارج قبة البرلمان من مواطنين وسياسيين وحزبيين وناشطين ومؤسسات مجتمع مدني ومراكز دراسات وأبحاث ومشاريع مقترحات وحتى مسودات لمشروع قانون، وكانت أمام الجميع مخرجات لجنة الحوار الوطني وغيرها من المقترحات والأفكار التي حضرت أمام اللجنة إلا أنها جميعها بقيت خلف الظهر ولم تاخذ مكانها المتوقع لها في المناقشات الداخلية في اللجنة.
أما الطرف الثاني فهو الذي تمثله اللجنة القانونية والنواب أنفسهم. وبالرغم من أن قانونية النواب عقدت عشرات الاجتماعات لإدارة حوار داخلي حول مشروع القانون إلا أن مجموع الحوار الداخلي في المجلس كان أقل بكثير من المستوى المتوقع له.
ووفقاً لتقرير اللجنة القانونية السابقة، فان ما نسبته 34% من المشاركين في الحوارات كان من القطاع النسائيّ، و17% من القطاع الشبابي، وخلصت الحوارات إلى المطالبة بتغليظ العقوبات على المال السياسي في العملية الانتخابية بنسبة 68% من مجمل المشاركين، وطالب 35% من المشاركين بإبانة المعايير التي يتم على أساسها تقسيم الدوائر الانتخابيّة.
وقبيل انطلاق مناقشات المجلس، أبدى عشرات النواب يأسهم من إجراء تعديلات جوهرية على القانون على نحو رفع عدد مقاعد الكوتا النسائية، وهو المطلب الذي رفعته الحركة النسائية ، فيما وقّع 62 نائباً ونائبة على مذكرة رسمية تسلمها رئيس المجلس المهندس عاطف الطراونة بهذا الخصوص. هذا عدا عن مذكرة اللجنة الوطنية لشؤون المرأة ومذكرة مركز القدس اللتان رفعتا شعار "مقعد نسائي لكل دائرة انتخابية"، وحملت الأولى توقيع عشرات مؤسسات المجتمع المدني، فيما حملت الثانية تواقيع ما ينوف على ألف من القيادات والشخصيات النسائية.
وقبيل مناقشات القانون، كان العديد من الكتل النيابية يتعهد بدعم تعديلات جوهرية على القانون وفي مقدمتها إعادة القائمة الوطنية ودعم مطلب "مقعد نسائي لكل دائرة" في المناظرة بين الكتل النيابية التي نظمها مركز القدس حول مشروع قانون الانتخاب، إلا أن أغلبية هذه الكتل لم تعكس مناقشاتها صدى لتلك المواقف.
وكان ثمة غضب نيابي على أداء اللجنة القانونية كشف عنه النائب الأول لرئيس المجلس ورئيس اللجنة القانونية السابقة مصطفى العماوي حين قال "إن اجتماعاً عقد خارج المجلس وضم حوالي 40 نائباً لمناقشة تجاهل اللجنة القانونيّة توصيات اللجنة السابقة التي عملت على مدى 35 يوماً في حوارات مستمرة مع مختلف مؤسسات المجتمع المدنيّ والأحزاب والنقابات والقطاعات النسائيّة، وقدمت توصيات للجنة القانونية الحالية التي لم تأخذ بها"، مطالباً المجلس في مناقشته لمشروع القانون "أن يحكم على ذلك"، داعياً اللجنة القانونية إلى احترام مقترحات الأحزاب الـ 17 التي شاركت في هذه الحوارات حول المشروع، بالإضافة إلى اقتراحات القطاع النسائيّ.
وكما توقع كثير من النواب والمراقبين، أقر مجلس النواب مشروع القانون دون إدخال تعديلات جوهرية عليه عبر خمس جلسات عقدها في ثلاثة أيام، والتعديلات الطفيفة التي أخذ بها المجلس لم تعارضها الحكومة بشدة، بما في ذلك التعديل الأبرز الذي يتعلق بتقسيم الدوائر الانتخابية، والذي أُدرج في نص القانون، بينما كانت الحكومة تدفع باتجاه تضمينه في النظام الخاص بالدوائر الانتخابية. كما ان اللجنة القانونية نفسها رفضت إضافة "نسبة الحسم (العتبة)"، إلى مشروع القانون متوافقة في ذلك أيضاً مع الحكومة ومخالفة اقتراحات قسم واسع من النواب.
كانت مناقشات المجلس للقانون سريعة أيضاً، وبدا المجلس وكأنه يسابق نفسه لإقرار القانون، وهو ما شكل نقطة انتقاد نيابية وسياسية وإعلامية للمجلس نفسه، قبل أن يتولى نواب التعبير عن انتقادهم لهذه السرعة غير المبررة في المناقشات.
كانت الجلسات الخمس التي أنتجت القانون بصورته النهائية تمثل في شكلها ومضمونها حالة الانقسام الداخلي في مجلس النواب، وتكشف عن المدى الذي تتمتع فيه الحكومة بمناصرين أشداء لها تحت القبة.
ولقد ظهرت مخالفات عديدة للنظام الداخلي لمجلس النواب أثناء المناقشات انتقدها نواب إلا أنهم لم ينجحوا في تصويب المسار، خاصة ما يتعلق منها بتقديم المقترحات، فيما تكررت شكاوى النواب من عدم حصولهم على الحق بالمناقشة، وصوبوا انتقاداتهم لرئاسة المجلس.
وكان النصاب القانوني في بعض اللحظات على الحافة، ولم يغادر التوتر كامل الجلسات والتي نتج عنها خلافات بين رئاسة المجلس وبين نواب كان من بينهم عدنان السواعير، ورلى الحروب، وهند الفايز وغيرهم.
وبرزت بوضوح مطالبات نيابية لرئاسة المجلس بالتصويت الإلكتروني على مواد القانون، من أجل ضمان شفافية اوسع يمكن من خلالها كشف اتجاهات النواب في التصويت على مواد القانون، لا سيما أنه ليس هناك ما يبرر من مبرر تجاهل استخدام التصويت الإلكتروني في مناقشات قانون حيوي كقانون الانتخاب.
أما المفاجأة الأخطر في مناقشات المجلس لمشروع قانون الانتخاب، فقد تجلّت في جلسة التصويت على مشروع القانون بمجمله، حيث تغيب عن الجلسة 53 نائباً، وهي نسبة غياب عالية جداً تساوي 35.3% وتكشف عن قلة اهتمام وعدم اكتراث نحو أكثر من ثلث أعضاء المجلس بأهم قانون ناظم للحياة السياسية في الأردن.
وعارض القانون 12 نائباً فقط بنسبة 12.4% فقط من أصل 97 نائباً شاركوا في جلسة التصويت، فيما صوت لصالح القانون 85 نائباً فقط بنسبة 87.6% من عدد الحضور، أي 56.7% فقط من عضوية المجلس ككل، ما يعني أن القانون لا يتمتع سوى بتأييد نيابي ضعيف.