ثورة العمل
تُردّ التحولات الكبرى والجذرية في العمل إلى مجموعة من التكنولوجيات المعلوماتية، مثل الحوسبة والتشبيك والبرمجة المعرفية أو الذكية والطباعة ثلاثية الأبعاد والموبايل والتكنولوجيا السحابية والروبوتات والتطبيقات... إذ تغير هذه الثورات التكنولوجية في طبيعة العمل وفي الأجور والإنتاجية والأسواق وأماكن العمل والعقود، وتنشئ ظروف عمل جديدة ونماذج جديدة لتنظيم الأعمال وريادتها، والتحولات الهيكلية في المؤسسات الحكومية والتجارية، وتوزيع الدخل والثروات، كما تخلق فرصا جديدة للعمل والإبداع والابتكار، وتلغي أعمالا قائمة وتغير في بعضها تغييرا عميقا.
حسب تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية 2015، بلغت القوة الحاسوبية العالمية 137 تيرافلوب في العام 2005، ويتوقع أن تتضاعف في العام 2025 إلى مليون تيرافلوب. وسوف تتضاعف البيانات المتداولة عبر الشبكات إلى مائة مليار ضعف ما هي عليه هذا العام. وقد تضاعفت وظائف تكنولوجيا المعلومات في الهند من 284 ألف وظيفة العام 2000، إلى مليونين وربع المليون وظيفة العام 2010. وتضاعفت حركة الإنترنت العالمية من 100 غيغابايت/ ثانية إلى 51794 غيغابايت/ ثانية في العام 2014.
تنشأ اليوم فرص معقولة بدأت تطبق في تحلية مياه البحر والحصول على الطاقة من المصادر الطبيعية بتكلفة معقولة، كما تتطور تكنولوجيا المياه والري والطاقة بشكل عام في اتجاهات تؤسس لإمكانية توفير الموارد الأساسية للحياة (الماء والطاقة) من دون عبء كبير على الاقتصاد الوطني والإمكانات المالية الفردية. وفي ذلك يفترض أن تتشكل اتجاهات وأولويات في العمل والتعليم والتدريب لأجل إعادة تنظيم وإدارة الماء والطاقة والمدن والمنازل والمباني، بما يلائم هذه التحولات التكنولوجية وعلى النحو الذي يحمي البيئة والمياه، ويوفر مجالا واسعا لحماية المصادر المائية الطبيعية لأجل استغلالها في الزراعة والتوسع في الغابات ثم الاقتصاد الزراعي والصناعي حول الزراعة والغابات، مثل الصناعات الغذائية والدوائية والخشبية. فلم يعد ذلك خيالا علميا ولا أفكارا طوباوية للمصلحين، ولكنه يتحول إلى أنظمة اقتصادية واجتماعية واقعية ومطبقة.
ويقدم تقرير الأمم المتحدة نماذج فعلية طبقت في تحسين الاقتصاد الزراعي من خلال استخدام الموبايل؛ فقد أفاد المزارعين في تسهيل الوصول إلى معلومات عن الطقس والأسعار والكوارث والمخاطر، وخدمات الإرشاد الزراعي وتنمية المهارات والمعرفة والاطلاع على تجارب وتقنيات مستخدمة ويمكن اقتباسها. ويمكن أيضا إعادة تنظيم شبكات الأسواق؛ التوزيع والتسويق، لتكون بلا وسطاء. وفي ذلك اختصار للحلقات والتكاليف بحيث لا تُضاف إلى السلع الزراعية تكاليف إضافية. وذلك بالطبع لصالح المزارع والمستهلك. ويمكن كذلك ربط المزارع بشبكات التمويل والتأمين. ويزيد ذلك من دخول صغار المزارعين وكفاءتهم، ويقلل النفقات ويحسن جودة المنتجات والإجراءات.
وتنتقل أيضا مجموعة كبيرة من الخدمات الشخصية إلى شبكة الإنترنت؛ إذ بمقدور المستهلكين الحصول على كثير من السلع والخدمات الشخصية والتسوق عبر الشبكة، مثل البقالة وطلب الطعام والحجز في الفنادق وشركات الطيران. ويمكن الحصول على فرص عمل مؤقتة أو ترتيب عقود واتفاقات للعمل وتزويد الخدمات والسلع. كما يمكن أيضا البيع المباشر من خلال الشبكة للمنتجين والحرفيين والمؤلفين والفنانين والموسيقيين والمصممين والمبرمجين، والمعلمين والمدربين؛ وقد كان يعمل في مجال التطبيقات العام 2013 حوالي 750 ألف شخص في الولايات المتحدة الأميركية.