الأحزاب كظاهرة موسمية
في العالم العربي عموماً، تبدو الغالبية العظمى من الأحزاب السياسية في حضورها ودورها، أشبه بالجُزر الموسمية التي يعتمد بروزها على حركتي "المد والجَزر". إذ لا يكاد يظهر أكثر هذه الأحزاب إلا موسمياً، في مناسبات من قبيل الانتخابات العامة (والتي قد تكون محرجة للأحزاب أكثر مما هي مفيدة)، أو -غالباً- عبر البيانات الخطابية الجوفاء بشأن أحداث محلية وإقليمية، ولربما دولية؛ لاسيما لدى الأحزاب المسماة "أممية". وكما أن موسمية الجُزر تظل مفيدة أحياناً، وفق القانون الدولي، في توسيع "البحر الإقليمي" للدولة، وبالتالي امتيازاته، تبدو موسمية الأحزاب مفيدة أيضاً للقول بوجود تعددية سياسية في بلد ما، ولو على نحو ظاهري فحسب.
لكن في مقابل نقطتي التشابه هاتين، يظل صحيحاً تماماً أنه على النقيض من "امتيازات" البحر الإقليمي الأوسع بفضل جزر موسمية، تشكل الأحزاب الموسمية سبباً للإحباط الشعبي وليس العكس. وأهم من ذلك أنه إذا كانت موسمية الجزر قهرية حتماً، فإن موسمية الأحزاب شديدة الطوعية.
وابتداء، وسدا للذرائع التقليدية والمستهلكة، خصوصا من الأحزاب العربية "التاريخية"، فلنتخيل سيناريو اشتراط التقدم لفرصة عمل والالتحاق بجامعة، كما المشاركة في الانتخابات ترشحاً واقتراعاً، بالانتماء الحزبي، ولأي حزب كان بحرية تامة. تُرى، هل كانت هذه الأحزاب لتستقطب أعضاء جدداً؟! الإجابة معروفة. والسبب أن هذه الأحزاب صارت تاريخية ليس بعمق جذورها، بل هي فقط تاريخية بجمودها عند زمن صار بعيداً لدرجة تبدو معه خارج التاريخ ذاته!
وهذه الموسمية الطوعية هي ما يجعل طبيعياً، وليس مستغرباً أبداً، غياب البرامجية عن الأحزاب، تاريخية وسواها، في محطة مفصلية كالانتخابات العامة. فالبرامج الانتخابية، بداهة، ليست مطوية تتضمن تعداد المشكلات والمعضلات التي تواجه المجتمع، من قبيل الفقر والبطالة وتدني مستوى مخرجات التعليم وسواها، مسبوقة بعبارة "سنعمل على حل..."، "سنكافح..."، "سنتصدى...". البرامج هي الحلول المقترحة التي يتم العمل عليها بشكل متواصل. وهكذا حلول حقيقية لا يمكن أن تأتي إلا عبر دراسات جادة، تنتهي إلى تقديم سياسات ومشاريع قوانين بديلة. والسؤال الآن: هل من حزب يمتلك مركز دراسات واحد، أو حتى وحدة بحثية ضيقة؟ هل كلف حزب معارض مركز دراسات رصين بإجراء دراسة لمراجعة التشريعات بشأن قضية واحدة اعتاد هذا الحزب أن يستخدمها في انتقاد الحكومة أو جلدها منذ عقود؟ وعلى سبيل المثال لا الحصر، ومرة أخرى، فإنه حتى الحكومات ذاتها تكره صندوق النقد الدولي، لكن ما البديل عن برامجه القاسية، أو حتى "المتوحشة" بتعبير البعض؟ محاربة الفساد فقط؟! هل هذا خطة اقتصادية فعلاً؟
بعد ذلك، وباستثناء دافع "التصويت الاحتجاجي"، يكون الطبيعي في أي انتخابات هو "لم ينجح أحد" من الأحزاب. ولتغيير ذلك، يجب أن تعمل الأحزاب طوال الوقت، ولو لم يكن لها ممثل واحد في البرلمان، على بلورة مشاريع حلول منطقية شديدة التفصيل، على أساسها سيصوت الناس ويوصلون ممثلي هذه الأحزاب إلى البرلمان.