شهادة الصندوق الأولى
الشهادة الأولى لرئيس بعثة صندوق النقد الدولي للأردن، مارتن سيورسيلا، حول البرنامج الأخير الذي وقّعته المملكة مع الصندوق في شهر آب (أغسطس) الماضي، تبعث على الطمأنينة إلى حد كبير.
إذ يؤكد سيورسيلا أن الأردن حقق المؤشرات المطلوبة بما ينسجم مع البرنامج الموضوع من قبل المؤسسة الدولية.
المهم في التقييم، أن وضع صرف الدينار مريح، وأن السياسة النقدية مستقرة، والأهم أن وضع الأردن لا يشبه أبدا الحال في مصر ودول أخرى، والمقارنة بينهما أمر غير وارد، وكذلك القول بأن أزمة الاقتصاد المحلية أساسها إقليمي نتج عن صدمات الدول المجاورة؛ وهي العراق وسورية بدرجة رئيسية.
البرنامج بدأ ينفّذ وبالفعل قررت إدارة الصندوق إقراض الأردن مبلغ 732 مليون دولار على طول مدة البرنامج، وبالفعل حُصّل على جزء من القرض خلال الفترة الماضية.
سيورسيلا أرجنتيني الأصل تسلم موقعه من الألمانية كريستينا كوستيال؛ في شهادته لـ"الغد"، يبدو مرتاحا للنتائج التي حققها الأردن خلال شهر، رغم أن ذلك ليس كافيا للحكم على نجاح البرنامج في تحسين المؤشرات، ورغم ذلك يبدو الرجل ملمّا بالمشهد الاقتصادي المحلي ويمتلك قدرة على تحديد المشكلات.
القضايا الرئيسية التي تابعها رئيس البعثة خلال زياراته الأخيرة للأردن، والتي انتهت يوم الخميس الماضي، تتعلق بتوجهات الحكومة بمراجعة بند ضريبة المبيعات وتخفيضها على بعض البنود، وهي قصة مهمة كون تنفيذها سيفا ذا حدين؛ فهي من ناحية ستخفّض العبء الضريبي على المستهلك، لكنها أيضا تهدد بتخفيض حجم الإيراد المتأتي، ما ينعكس بشكل سلبي على عجز الموازنة العامة، وبالتالي المديونية.
الخبير الدولي يبدو مطمئنا من هذه الناحية، خصوصا أن الخطوة تم تدارسها من قبل لجنة فنية تابعة للصندوق وأقامت في البلد لهذه الغاية مدة شهر؛ إذ تبين نتائج الدراسة والتقارير المقدمة بهذا الخصوص أن تخفيضَ ضريبة المبيعات من نسبة 16 % إلى ما دون أمرٌ ممكن دون أن يضر بحجم الإيراد المتوقع.
بالتفاصيل؛ جداول ضريبة المبيعات التي تضم نحو 6000 بند قابلة للمراجعة، بحيث تخفض النسب على بنود وترتفع على أخرى، بشكل يحقق أكثر من هدف؛ أولها تخفيض العبء وتنشيط الاقتصاد من خلال زيادة قدرات المستهلك الشرائية، وأيضا الحفاظ على الإيراد كما هو مقدر بزيادة النسب على بنود أخرى.
ماذا يعني ذلك؟
يعني أن الوقوف المطلق خلف مواقف ثابتة برفض تخفيض الضريبة أمر خاطئ، ولم يكن صحيحا أبدا، كما انه يضر بتنشيط الاقتصاد، ويعني أيضا أن إيجاد الحلول الوسط مسألة ممكنة دائما.
البعثة أيضا أطّلعت على موازنة العام المقبل، وأرقامها وقدمت رأيا إيجابيا حولها، لكنها لم تخبرنا كم تنسجم الموازنة الجديدة مع تلك الموجهة بالنتائج، وكم هي دقيقة في تقدير الأرقام بحيث تكون اقرب للواقع، وكم من التشوهات عالجها مهندسو الموازنة وهم يهندسون موازنة العام 2017؟ وهل هناك ضبط حقيقي للنفقات؟
هذه بداية جديدة مع الصندوق، والأمنية أن يكون الصندوق أقرب إلى واقعنا ومعالجة مشكلات الاقتصاد، وأن تكون الشهادة المقدمة تنقل الواقع ولا تجامل حتى لا نتفاجأ باستفحال مشاكلنا حتى ونحن في حضن الصندوق.