تغيير المناهج
الحملة المضادة للتعديلات التي أجريت على عدد من المناهج التعليمية، والتي تدار منذ أيام في الفضاء الافتراضي وبدأت تنتقل بشكل محدود إلى الشارع والغرف الصفية، تقدم أدلة جديدة على أننا بحاجة إلى إعادة التفكير بأدوات مختلفة لإدارة التغيير في بلادنا، فلا يمكن أن نستمر في هذا الحال طوبلا، والمقصود المنهج الذي ندير فيه التغيير الإيجابي سواء في قضايا إصلاح التعليم أو التنمية وحتى الإدارة والإصلاح السياسي؛ أي المنهج الذي يفتح المجال أمام فئة قليلة لديها قدرات اتصالية عالية وخلفيات أيديولوجية أو عصبوية لتوجيه الرأي العام والتحكم بانفعالات الناس وتصنيع حالة من الشعبية تجذب العامة نحوها، بدون سؤال أو جواب في ضوء ضعف تدفق المعلومات الموضوعية والنزيهة في بنية التعددية.
لأسبوع جديد وبعد إجازة طويلة للمدارس الحكومية ما تزال هناك مدارس وفي مناطق متعددة لم تنتظم فيها الدراسة؛ حيث يعمل معلمون ومعظمهم معلمات إناث على تعطيل الجداول الدراسية المقررة وقاموا بتحويل دروس الرياضيات والعلوم واللغة الانجليزية وغيرها الى دروس دينية، مملوءة بجرعات انفعالية غير مبررة من الادعاءات التي تُحشى في عقول الصغار الغضة وتتحدث عن المؤامرة الكبرى على مناهجهم. ما يحدث خطير ويدلل على حجم الإصلاح الذي يحتاجه نظامنا التعليمي وحجم الوعي الذي نحتاجه جميعا في إعادة عقلنة وترشيد أدواتنا في الدفاع عن قيمنا وتراثنا الحضاري والديني.
خلال أكثر من عام قيل الكثير حول إصلاح مناهج التعليم، وجرب فوق الصفحات أحبار من كل الألوان، ولكن السؤال الذي لم يُجب عنه؛ هل طورنا بالفعل رؤية إصلاحية شاملة ومانعة للمناهج في إطار إصلاح شامل للنظام التعليمي؟ يصاحبها منهجية معدة بإحكام للمشاركة في صنع التغيير تشمل أكبر قطاعات المجتمع؛ فالتعليم قضية مجتمعية وليس قضية نخبوية وفي مقدمة شركاء الإصلاح في هذا المجال هم المعلمون، أيضا هل لدينا خطة اتصالية علمية تفسر للناس الإصلاحات وحدودها حتى لا نترك الناس للنزق السياسي والأيديولوجي.
المشكلة أن المناقشة الكبيرة المحتدمة منذ أكثر من عام وحتى الإصلاحات التي تحققت قزّمت مشكلة المناهج بالأبعاد الدينية والتطرف، ورغم أن الحمولة الدينية الزائدة في المناهج هي إحدى مشاكل المناهج ولكنها حتما ليست كلها، والمناهج تعاني من مصادر ضعف أخرى لا تقل أهمية عن المضامين المتطرفة، هنا كان المدخل الإصلاحي سياسيا أكثر من كونه فنيا ومهنيا، وبالتالي حمل حمولة زائدة من الحساسية؛ فالتطرف في التعليم والمناهج والجامعات وفي المؤسسة الدينية وحتى في المؤسسة الإعلامية ليس وليد اليوم، بل هو نتاج سنوات طويلة، ورعته مؤسسات ونخب ضمن المؤسسة الرسمية وعلى هوامشها، ونما في داخل المجتمعات المحلية، لذا فأي انتكاسة في جهود التغيير سوف تخلق المزيد من التطرف.
هناك ثلاثة محددات أساسية يجب الانتباه إليها جيدا حينما نبدأ في التخطيط للتغيير بهدف الإصلاح في الموضوعات الحساسة، مثل ما يحدث اليوم في المناهج؛ الأول: المنظور الإصلاحي الشامل بدل المنظور الأحادي أو الانتقائي بمعنى أخذ الموضوعات الأكثر حساسية مع جملة من الموضوعات الأخرى التي تحتاج الإصلاح والتي لا خلاف حولها في حزمة واحدة. الثاني: الحاجة إلى خطة موازية لإدارة الاتصال والمشاركة؛ فكلما استطاع من يدير التغيير أن يكون هو المبادر في الاتصال والمبادر في توفير المعلومات كانت روايته هي الأقرب للناس، وكلما بادر بطلب المشاركة أُخذت أطروحاته بجدية واحترام. ثالثا: في الموضوعات الأكثر حساسية مثل ما يتصل بمعتقدات الناس وبالأديان فإن الشخصيات المحافظة المؤمنة بالإصلاح هي الأكثر قدرة على قيادة التغيير الآمن أكثر من الشخصيات الراديكالية.