الإسلاميون والعلمانيون.. وقفة مع الذات
بجملة مختصرة، لخص تقرير صدر قبل يومين عن مرصد مصداقية الإعلام الأردني "أكيد"، التحول الخطير في علاقات القوى الاجتماعية والسياسية الأردنية، والذي أدى إلى إطلاق موجة كراهية غير مسبوقة في المملكة خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
يقول "أكيد" في تقريره: "إن الانتماءات السياسية تحولت في النقاش المفتوح على التواصل الاجتماعي، إلى هويات ذات بعد ثقافي. واليوم تكاد مفاهيم مثل الليبرالي أو العلماني والإسلامي واليساري تتحول من عناوين سياسية مشروعة تحمل دلالات التنوع الإيجابي، إلى هويات متصارعة أخلاقيا واجتماعيا وثقافيا".
لقد تفاعلت سلسلة من الأحداث والتطورات خلال المدة الأخيرة، ليتحقق من بعدها انفجار خطاب الكراهية على النحو الذي شهدناه.
يؤرخ "أكيد" لحادثة وفاة المرحوم شادي أبو جابر باعتبارها "الشرارة" التي أشعلت خطاب الكراهية. ومن بعدها توالت الأحداث والمناسبات؛ تعديلات المناهج الدراسية، توقيف الداعية أمجد قورشة، ولاحقا توقيف الكاتب والناشط المعروف ناهض حتر قبل اغتياله.
سجال القوائم الانتخابية في دائرة عمان الثالثة، كان هو الآخر مناسبة؛ لا للحوار المشروع بين دعاة الدولة المدنية ومعارضيهم، وإنما سببا آخر من أسباب العداء والتخندق العقائدي والسياسي.
لكن هذا السجال تجاوز كل الحدود عندما أقدم أحد المتطرفين على اغتيال المرحوم ناهض حتر في وضح النهار، وعلى أعتاب قصر العدل.
كانت هذه الجريمة نتاج حملة تجييش ديني وسياسي ضد حتر، تورطت فيها جهات رسمية وأهلية، من دون إدراك لعواقبها الوخيمة.
لحظة الجريمة وما تلاها من ردود فعل، مثلت ذروة خطاب الكراهية في مجتمع ينقسم على نفسه حول هذا النوع من القضايا لأول مرة.
لقد وجدت الأغلبية الساحقة من المواطنين، ومعها مؤسسات الدولة، نفسها عاجزة عن احتواء موجة الكراهية، لا بل أسيرة لخطاب الأقلية على الطرفين.
كان انكشافا مذهلا وخطيرا، لم نتحسب له؛ مؤسسات وقوى سياسية ونخبا اجتماعية.
ربما تكون الحوادث والتطورات التي أشرنا إليها سابقا، وتناولها تقرير "أكيد"، سببا في اشتعال الموجة. لكن ثمة مقدمات تتراكم منذ مدة طويلة، أحد أبرز أسبابها الانقسام الحاصل بين القوى السياسية والاجتماعية حيال الأزمة السورية، وما تسبب به من قطيعة وعداء بين حركات الإسلام السياسي، والتيارات اليسارية والقومية. وقبل ذلك الانشقاق الكبير حول ثورات "الربيع العربي"، خاصة الحالة المصرية.
طال الانقسام المجتمع الأردني بشكل واسع، وظهر الاصطفاف جليا في جميع المجالات. مواقع التواصل الاجتماعي كانت ساحة رئيسة لهذا الصراع، ولم يعد هناك من سبيل أمام الكثيرين سوى الاختيار بين خندقين.
لا أعرف إن كنا قد أدركنا اليوم أم لا مخاطر استمرار العداء على السلم الأهلي في بلادنا. أفترض أن ما حصل أخيرا يكفينا لاستخلاص الدروس، والبحث عن مخارج للتهدئة، واحتواء التوتر وخطاب الكراهية.
لا أجد مبررا للوقوف مكتوفي الأيدي، وتحت رحمة قلة قليلة من الكارهين على "فيسبوك" يجرّون من خلفهم أغلبية لا تدرك مخاطر سلوكها المتهور.
ينبغي على القيادات السياسية والاجتماعية على الطرفين أن تبعث برسائل تطمين للمجتمع القلق من مستقبله. وهنا أتساءل: ما الذي يحول دون لقاءات حوارية تجمع قيادات من حزب جبهة العمل الإسلامي مع ممثلين لتيارات مدنية ويسارية وقومية وليبرالية، وعلى مختلف المستويات؛ الحزبية والبرلمانية والشبابية؟
قبل أيام، قرأت تصريحات للقيادي في "العمل الإسلامي" زكي بني ارشيد، يؤكد فيها انحيازه لخيار الدولة المدنية. ألم يحن الوقت، إذن، ليتصافح بني ارشيد والنائب خالد رمضان؟