نفرح لفرنسا
نفرح لفرنسا لأن الديمقراطية وصناديق الاقتراع وتداول السلطة مازالت راسخة ثابتة بل وإنتصرت ، إنتصرت ونال الفرنسيون ما يستحقون وأكدوا أن تقاليدهم الموروثة منذ عشرات السنين هي الخيار الباقي لديهم ولا تراجع عنها فهي مرجعية الاحتكام إليها عندما يختلفون وهي أداة الحكم لحكامها ، مهما إختلفت الأحزاب وتلونت التيارات ، فالحصيلة أن ثمة أشخاص مرشحين يحتكمون لإفرازات صناديق الاقتراع .
نفرح لفرنسا ، ولكل البلدان الأوروبية التي غدت نموذجاً متقدماً في الحكم والتطور والحضارة التي تحترم عقل الإنسان ومصلحته وخياراته ، وهي لم تكن كذلك إلا بعد أن ثارت على تحالف الأقطاع والكنيسة وتحررت منهما بالثورة الصناعية وصعود البرجوازية كشريحة طبقية جديدة عملت ضد تسلط الأقطاع وهيمنة الكنيسة ، ومنذ ذلك الوقت غدت فرنسا نموذجاً في الديمقراطية والحضارة والتقدم .
نفرح لفرنسا ، ونحزن لأنفسنا كعرب ، فالتحالف طوال الحرب الباردة ، لأكثر من خمسين سنة ، كان بين الحاكم العربي وبين المسجد بعد أن تم خطفه ، وتوظيف قيمته ، وإستعمال مكانته الدينية الرفيعة لمصلحة السياسة ونفوذ الحكام ، على غرار ما كانت عليه الكنيسة مسخرة لمصلحة حكم الأقطاع ، في ذلك الزمن البائد ، ناهيك عن أسلحة فتاوي موظفي الحكام لمصلحة سير نفوذهم .
ثورة الربيع العربي إنفجرت عام 2011 ، بعد فشل حركة التحرر العربية ، طوال مرحلة الحرب الباردة في تحقيق أهدافها الأربعة : 1- إستكمال خطوات الإستقلال السياسي والإقتصادي ، 2- تحقيق العدالة الإجتماعية وتحسين الخدمات ، 3- إشاعة الديمقراطية والإحتكام إلى صناديق الإقتراع وتداول السلطة ، 4- إنجاز الوحدة العربية ، فشلت حركة التحرر العربية وأخفقت أحزابها الوطنية والقومية واليسارية في إنجاز مهامها طوال مرحلة ما بعد الحرب ، تاركة نفوذها لمصلحة أحزاب التيار الإسلامي السياسية وتأثيرها .
فإنفجرت ثورة الربيع العربي ضد التحالف القائم بين الحكام مع المسجد المخطوف ، فأسقطت عدة حكام من بعض البلدان العربية وأبقت المسجد رهينة الأحزاب الإسلامية الأربعة : الإخوان المسلمين ، ولاية الفقيه ، القاعدة وداعش بعد أن إستولوا على السلطة ، فبات المواطن مثل ذاك الذي يهرب من الدلف فيقع تحت المزراب ، هرب من ديكتاتورية السياسة ، لينال ديكتاتورية فاشية متخلفة في عناوين الحياة المتعددة ، فكان في مصيبة فوقع في مصائب ، حتى تلهف المواطن لأيام مبارك ، وبن علي ، والقذافي ، وعلي صالح .
نتائج الربيع العربي لن تكون نهاية المطاف إذا ما بقي الإستقلال السياسي والإقتصادي مفقوداً ، والعدالة الإجتماعية غير متوفرة ، والديمقراطية غائبة ، والوطن العربي ممزقاً ، فالثورة هدفت إلى تحقيق هدفين هما :
أولاً : حكومات برلمانية حزبية لدى الأنظمة الملكية .
ثانياً : رؤساء منتخبون لدى الأنظمة الجمهورية .
صحيح أن ثمة خطوات متواضعة تحققت على الطريق كما حصل لدى المملكة المغربية في الهدف الأول ، وكما حصل لدى تونس في الهدف الثاني ، وهكذا يمكن لهذه الخطوات المتواضعة أن تتحول إلى تراكمية وتتسع حتى تكون هي العنوان السائد في البلدان العربية ، ويكون المواطن عندها حقاً قد تمتع بالربيع المزهر الذي يستحقه .