سياسات لا تحمي البلد
الضجة المثارة حول التعديلات المرتقبة على ضريبة الدخل، ضجة طبيعية، لاعتبارات كثيرة، خصوصا، ان المعلومات والاشاعات تختلط معا، وتسبب تشويشا كبيرا.
لكن هذا لا يلغي الفكرة الأساس، أي ان التسبب بضرائب إضافية، امر لا يمكن احتماله، خصوصا، ان الحديث عن خفض الإعفاءات الممنوحة للعائلة او للفرد، يعني فعليا، تناقص دخل الافراد والعائلات، التي سوف تضطر لدفع مزيد من الضرائب، وهذا يعني فعليا، مصاعب اقتصادية للجميع.
لابد ان يقف النواب والرأي العام، في الأردن، موقفا قويا، ضد فرض مزيد من الضرائب، لان إنهاك العصب العام بلغ مداه، ومن اجل الحصول على أموال إضافية، لابد ان تجد الجهات الرسمية وسائل غير زيادة ضريبة الدخل.
على هذه الجهات الوقوف اولا في وجه التهرب الضريبي، الذي بات ظاهرة منتشرة، إضافة الى تحصيل الأموال غير المدفوعة من الضرائب، وإيجاد تعديلات منطقية على قانون ضريبة الدخل، بدلا من اللجوء الى وصفة الجباية، باعتبارها أسهل الحلول، كما كل مرة، فهذا افلاس في التخطيط الاقتصادي والمالي.
نفت الحكومة المعلومات عن التعديلات المرتقبة، كما نفت دائرة ضريبة الدخل، لكن مصادر عديدة، تشير الى وجود اقتراحات بخفض الإعفاءات، وهذا حل عقيم، والسبب في ذلك انه يبحث عن الحل الاسهل، وليس الحل الأكثر منطقية.
للأسف الشديد، فإن الكل يجمع على ان هناك اختلالا واضحا في تعليمات ضريبة الدخل، والمعايير التي يتم تبنيها كل مرة، ومن اجل تصحيح هذه الاختلالات، يتم اللجوء الى وسائل اقل شعبية، وربما اقل عدالة أيضا.
لا يمكن لاي طرف ان يجري تغييرات على ضريبة الدخل، ان لا يراعي احتياجات العائلات في المحصلة، بشأن التعليم، والعلاج، وبقية الالتزامات، اما فرض نسب ضريبة، واقتطاعات دون التفكير بالاثر السلبي على حياة الأردنيين، فهو يؤشر على سياسات اقتصادية، صماء، او عمياء، كل همها هو الحصول على المزيد من المال، دون التفكير لحظة واحدة، بعواقب ذلك اجتماعيا، على حياة الناس.
ان اللوم ينصب دوما على المطبخ الاقتصادي، في الحكومات، وعلى اللجان الاقتصادية في مجلس النواب، والواضح تماما، ان لا أحد يوفر الحماية للناس، بذريعة المصاعب الكلية التي تواجهها الخزينة، وهذا يعني فعليا، انه من اجل انقاذ الخزينة، فلا حل سوى إنهاك الناس، بمزيد من الضرائب.
لقد أدت سياسات الجباية الى ماهو، أكثر من الافقار، أي تحويل الطبقة الوسطى، الى طبقة غير وسطى، عبر الادعاء بأن دخلها جيد، وقادرة على دفع المزيد، وهذا يعني تحويل هذه الطبقة التي تحمي المجتمع الى طبقة فقيرة تدريجيا، مع كل هذه القرارات، وأخطر مافي هذه السياسات، انها تدفع المنتسبين من هذه الطبقة الى البحث عن حلول أخرى، للاستمرار في الحياة، وهذا يفسر النزوع الى الهجرة، من جهة، والتدهور الاجتماعي الذي يتزايد نتيجة هذه السياسات، التي لانهاية لها حتى الان.
لابد للرأي العام في الأردن، ان يمارس ضغطه السلمي والطبيعي، من اجل منع المزيد من الضرائب، لان السكوت يعني قبول هذا السيل الجارف من التغيرات البنيوية في البلد، ولابد ان يقال انه لن يستثني أحدا، فحتى أولئك الذين يظنون ان هذه التغييرات على الضريبة لن تشملهم، يرتكبون خطأ كبيرا، لان أي تغيرات سوف ترتد، على كل البنية الاقتصادية والاجتماعية، وسوف ينالون حصتهم، من هذه التداعيات، حتى لو كانوا يظنون ان الامر لا يؤثر عليهم، اما لقلةدخلهم، او لثرائهم، أيضا.