رسالة كروبي
في اليوم ذاته الذي وجّه فيه روحاني رسائل بالغة الأهمية للقيادة الإيرانية، جاءت رسالة المعارض الشهير مهدي كروبي لتضفي مزيدا من الإثارة على الوضع الداخلي الإيراني.
روحاني طالب جميع قادة البلاد بأن “يسمعوا مطالب وتمنيات الشعب”، مضيفا أن “النظام السابق فقد كل شيء لأنه لم يسمع صوت وانتقادات المواطنين”، وهو تحذير بالغ الأهمية، لا سيما أنه أوضح ذلك بالقول إن الشاه “لم يسمع نصائح الشعب، ولم يسمع أصوات الإصلاحيين والمستشارين والأكاديميين والنخبة والمثقفين”، فكان مصيره المعروف.
أما رسالة كروبي، فكانت أكثر صرامة ووضوحا، إذ قال لخامنئي بعد أن حمّله مسؤولية تزوير انتخابات 2009، وما جرى له شخصيا:”قررت أن أخاطبكم أخيرا، لأنك قلت إن المسؤولين في الحكومة الإيرانية ليس لديهم أدنى حق في لعب دور المعارضة في حديثهم عن الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، لأنهم همْ من يترأس منشآت ومؤسسات هذا البلد، ولا مجال للمسؤول أن يكون معارضا في الوقت ذاته.”
وأضاف: “ونظرا لوجودك في أعلى مستويات الحكم في إيران، يجب أن تقبل بأن الوضع السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي في البلد اليوم هو نتيجة مباشرة لسياساتك وللاستراتيجية التي تتبانها أنت شخصيا.”
واتهم كروبي خامنئي بمصادرة مجلس خبراء القيادة قائلا: “حوّلت مجلس خبراء القيادة إلى مجموعة فرعية تابعة لمكتبك الخاص، وأصبحت مهام المجلس الوحيدة هي مدحكم شخصيا طول العام، وكان حضوركم في منصب المرشد مصحوبا بتصفية جزء مهم من القوة الثورية الايرانية.”
وسأل كروبي خامنئي: “برأيك من هو المسؤول عن تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للشعب الإيراني على مدى العقود الماضية؟”.ويجيب أن ذلك”يرجع إلى فئة قليلة استطاعت الهيمنة على جميع القرارات المحلية والدولية، ولا تختلف هذه الطريقة في الحكم عن الحكم السلطوي الاستبدادي”.
وبعد أن لمّح إلى أن رفسنجاني قد تم التخلص منه بالقتل، كشف كروبي قمع خامنئي لمراجع الشيعة في إيران بالقول: “من أجل الحفاظ على كرامة الدين وكرامة رجال الدين الشيعة، فإنني أدعوكم إلى وضع حدٍ لتدخل المؤسسات الأمنية والحكومية في الحوزات الشيعية في إيران”.
وتحدث كروبي عن بؤس الوضع الاقتصادي بالقول: “الفقر والبطالة وصلا إلى مرحلة صارخة في إيران، وهناك 10 ملايين ايراني يعيشون في فقر مدقع، ولتغيير هذا الوضع، علينا أولا تجنب التوتر مع جيراننا والمجتمع الدولي .”
وأضاف محذرا: “النظام الإيراني يسير بشكل سريع نحو الهاوية، ووصل لمرحلة من الضعف،بحيث لا يستطيع تحمل مظاهرات واحتجاجات تتكون من ألف شخص، ويشعر بخطر وجودي من مظاهرات صغيرة”.
واتهم كروبي خامنئي بتمكين الحرس الثوري الايراني سياسيا واقتصاديا خلافا للدستور الإيراني قائلا: “خلافا للنص الصريح في الدستور الإيراني الذي يمنع النشاط الاقتصادي والسياسي للقوات المسلحة في إيران، رأينا تحت قيادتك تدخل الحرس الثوري في أنشطة سياسية واقتصادية في البلاد، وترك هذا النشاط نتائج كارثية على الشعب الإيراني لا يمكن التستر عليها.”
وانتهى كروبي إلى الهجوم على مبدأ ولاية الفقيه بالقول: “في هذه السنوات من حكمك روّجت وسائل الاعلام الرسمية لولاية الفقيه بالشكل الذي يعطل الفكر والحكمة الجماعية للشعب الإيراني”.
ما بين حديث روحاني، وصرخة كروبي، وكل ذلك بعد موجة الاحتجاجات الشعبية، يبدو أن التيار الإصلاحي قد تنفس بعض القوة من الاحتجاجات، وصار بوسعه توجيه أصابع الاتهام لخامنئي شخصيا، سواءً ذكره بالاسم، أو بالتلميح، وما ذلك المديح المبتذل الذي كاله سليماني قبل أسبوعين لخامنئي، سوى تعبير عن الشعور بأن مكانة “المرشد” قد بدأت تتزعزع، ومن ورائه التيار المحافظ الذي يمسك بالبلاد بالحديد والنار.
صحيح أن موجة الاحتجاجات قد تمت السيطرة عليها بسطوة الأمن و”الباسيج”، لكن ذلك لا يعني نهاية المطاف، بخاصة أن الوضع لا يزيد إلا سوءا، ومغامرات الخارج المكلفة، ليست في وارد التوقف، فيما يأتي الابتزاز الأمريكي كي يزيد الوضع بؤسًا على بؤسه الراهن.
وإذا ما بحثنا عن أصل الأزمة، فإنها تتلخص في تبديد ثروة البلد في المغامرات الخارجية، بخاصة في سوريا واليمن، إلى جانب النظام الاستبدادي الذي يتلفع بعباءة الدين، وإن كان البعد الأول هو الأهم، ما يعني أنه من دون توقف خامنئي عن مغامراته المكلفة، فستكون للشعب جولات أخرى، لا سيما أن أفق النجاح يبدو مسدودًا بامتياز، ولو استمرت تلك المغامرات 10 سنوات أخرى