إسلام حداثي
"الإسلام الحداثي" وصف أطلقه البعض على طروحات ظهرت حديثا من شباب وشيوخ في التيار الإسلامي تركز في خطابها وتلح على مواضيع فلسفية مستقاة من عمق القضايا الفلسفية الغربية، وتناقش موضوعات طبيعية مثل فيزياء الكم والنظرية النسبية، والتطور، وتطرح كذلك وجهات نظر خارج الإطار المعتاد من قضايا إنسانية وسياسية واجتماعبة من نحو القومية، وحقوق الإنسان والديمقراطية والعقلانية والمساواة ونحو ذلك من المواضيع التي لم تكن تطرح على هذا النحو الكلي في سياق النقاشات أو المحاضرات الإسلامية، فضلا عن أن تدرّس ويُخطب بها في المساجد.
هذه الحالات لم تتحول إلى ما يمكن أن نسميه ظاهرة أو مدرسة فكرية ودعوية متماسكة ذات منهج في عموم الفكر الإسلامي، ولكنها بلا شك استقطبت جمهوراً ذا طبيعة نخبوية يعد نفسه إسلامي الرؤية والالتزام وظهر مَن يؤيد هذه الطروحات ومن يعارضها ومن يناقشها ويرد عليها بأدواتها.
قد يبدو من المفارقة أن نضع مصطلح الحداثة صفة للإسلام، فنقول "الإسلام الحداثي" أو "السلفية الحداثية"، فالمسلمون متفقون -فيما أعلم- على فضل "السلف الصالح" والتمسك بمنهجهم –وإن كان لكلٍ سلفه- ، فإعلاء قدر السلف موضع إجماع المدارس الإسلامية الكلامية والعقائدية والمذهبية والفقهية، حتى قال قائل معتبر
وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف.
وفي المغرب العربي يُستخدم لفظ "الحداثيون" للتعبير عن المظلة الجامعة للمخالفين للإسلاميين، المشتبكين معهم في ساحات الفكر والممارسة السياسية والاجتماعية من ليبراليين ويساريين وقوميين ونحوهم. ومع ذلك فقد استخدم هذا المصطلح قديما وحديثا، ومن قبل باحثين عرب وغربيين. ولكن المصطلح المفضل عند الإسلاميين يميل إلى الاشتقاق من مصطلح "التجديد" المنصوص عليه إذا تحققت شروطه، بخلاف "الإحداث والحدث" المنهي عنه اذا انطبقت أحواله، ولكن يظل المرجع هو في المضمون والتصور وليس في الإطلاق اللغوي.
وللبحث في عجالة عن تفسير لهذا التوجه يمكننا أن نشير إلى بعض التخمينات، كأن نربطها بحالة الفوضى والحيرة وربما التخبط في الفكر والنظر في المحيط العربي والإسلامي نتيجة لما آل اليه الربيع العربي، وإلى تداعيات حالة العنف والإرهاب العالمية التي رُبطت بالإسلام. ويمكن ان نعزوها جزئيا إلى نتائج ثورة وسائل التواصل الاجتماعي التي أتاحت لجمهور يشترك في نفس الاهتمامات أن يتبادل الرأي والحوار بكل حرية وسهولة، فلم تعد ثمة حاجة لاشتراك الجمهور في المكان أو الزمان للاستماع الى محاضرة، والحوار حولها ونشرها أو معارضتها بدون أن يتكلف أحد شيئا. وقريب من ذلك الدروس والتجارب والمحاولات السياسية للتيارات الإسلامية في العقود الأخيرة، وكذلك الوفرة الهائلة في المعلومات.
من المعروف أن حركة التحديث والتأثر بالمستجد من الفكر العالمي ليست جديدة على الفكر الإسلامي، فقد اتخذ ذلك أشكالا متعددة عبر التاريخ، فنذكر من ذلك مثلاً ظهور علم الكلام الإسلامي، وحديثا –قبل نحو قرن من الزمان- اجتهادات وضعت في هذا السياق من أمثال أفكار الشيخ محمد عبده ومحمد رشيد رضا ومحمد إقبال وغيرهم، إلا أن هذه الحالة أو المدرسة لم تتواصل أو تتطور بشكل ملموس بعد ذلك، وكل ما وضع في هذا السياق لاحقا كان يعد من الشذوذات الخارجة عن السياق العام، أو خارج نطاق الصحوة الإسلامية الحركية.
تساعد دروس التاريخ على توقع حدوث تحولات مهمة ومفصلية في الفكر والسياسة إثر الأحداث التي عصفت في العالم وكان الفكر الإسلامي بمشاربه واجتهاداته المتعددة في القلب منها، والذي أنتج الكثير من الأسئلة المفتوحة والمقاربات الساعية للإجابة، مما يمكن وصفه بصيرورة، لا يُعلَم ما يذهب منها جفاءً وما يمكث منها في الأرض.