ما الذي تقوله تصريحات الوزير
منذ ان جاءت الادارة الاميركية الحالية، والغموض، يسيطر على سياساتها بشأن القضية الفلسطينية، خصوصا، حول ما يتردد من وجود وصفة اميركية للحل، يتم تغييرها كل شهرين، بوصفة معدلة، بسبب كثرة الاعتراضات، ووجود عوامل معاندة كثيرة.
في عمان يصرح وزير الخارجية الاميركي، تصريحا غامضا، يحمل دلالات يتوجب التوقف عندها مطولا، اذ يقول في مؤتمره الصحفي، امس في عمان « الولايات المتحدة الأمريكية ستدعم حل الدولتين، مشيرا وهو الاقرب، اذا اتفقت الاطراف المختلفة على صيغة معينة. حدود اسرائيل لم تحدد بشكل نهائي بعد، ولم تقرر القدس عاصمة لاسرائيل».
لكن علينا قراءة التصريح بشكل دقيق، اذ يتحدث عن حل الدولتين، مشيرا الى انه سينجح فعليا « اذا اتفقت الاطراف الفعلية المختلفة، على صيغة معينة»، وهذا الاستثناء يعني بكل وضوح، ان مشروع الدولة الفلسطينية، في الحل الاميركي المرتقب، لا يستند الى قرارات الامم المتحدة، التي تحدد مساحات ارض الدولة الفلسطينية، وفقا لحدود عام 1967، بل تترك مساحة الدولة، وحدودها قابلة للتفاوض، او التصغير، او استبدال الارض، او تأجيل ملفات معينة الى مراحل نهائية، فوق استثناء القدس من الحل السياسي، واستثناء غور الاردن، واعتباره تحت وصاية اسرائيل، وغير ذلك من احتمالات يعنيها كلام الوزير، فهو فعليا، يعلن قبول الادارة الاميركية، بدولة فلسطينية، ضمن مواصفات جديدة، مختلفة كليا، عما تريده القرارات الدولية، واسس التسوية السلمية.
الامر الثاني اللافت في تصريح الوزير، ما يتعلق بالقدس، اذ يقول الوزير ان القدس لم تقرر عاصمة لاسرائيل، وهذا مناقض اساسا، لقرار نقل السفارة الاسرائيلية الى القدس، واعتراف ترمب بالقدس عاصمة لاسرائيل، ثم تصريح الرئيس الاميركي في وقت سابق، الذي اعتبر فيه القدس، كل القدس، عاصمة لاسرائيل، ولم يتحدث الرئيس ولا وزير خارجيته، لاحقا، عن القدس الشرقية، ولا عن حق الفلسطينيين، في القدس، عاصمة لدولتهم، ولعل المؤسف هنا، ان يقبل العرب، بنصف عاصمة في القدس الشرقية، فقط، فيما لا يقبل الاميركيون ولا الاسرائيليون منح الفلسطينيين، مترا من الارض، في القدس، عاصمة لهم، وسط توقعات أن يتم تأجيل عقدة القدس، وفقا للوصفة الجديدة، او تحويلها الى موقع ديني للعرب للصلاة، دون اي دلالات سياسية.
لم يتطرق الوزير ايضا، الى ملف اللاجئين، ولا حق العودة، ولا بقية القضايا، بما في ذلك قضية المستوطنات، والواضح ان جولة الوزير التي تأتي بعد تسلمه لمهامه، تأتي قبل فترة قصيرة جدا، من الرابع عشر من ايار، موعد نقل السفارة الاميركية الى القدس، وهو الانتقال الذي سيؤدي الى تداعيات كثيرة، بما يمكن اعتبار جولة الوزير محاولة للتهدئة، وبث الوعود، حتى يمر قرار نقل السفارة، على امل ان تكون هناك وصفة حل مرضية للفلسطينيين.
الدلالة الاخطر، هي عدم زيارة الوزير للسلطة الوطنية الفلسطينية، وعدم عقده اي لقاء مع اي رمز سياسي داخل الضفة الغربية، وهو تصرف متوقع، في سياقات الضغط الاميركي على السلطة، تمهيدا للمرحلة المقبلة، لكن السطحية هنا، تكمن في كون هكذا ادارة لملف التسوية السلمية، تتجاوز وجود الفلسطينيين في الداخل، لا يمكن ان تؤدي الى تسوية فلسطينية اسرائيلية، على اساس التوافق، بتدخل اميركي؛ ما يعني ان هذه الجولة الاميركية، مجرد جولة استيعاب واسترضاء، من جهة، فوق ان غايتها الوظيفية العلاقات العامة، قبيل الرابع عشر من ايار.
بهذا المعنى يتسبب الوزير، بمزيد من الغموض، وهو غموض، يعبر فعليا، عن اعتراف اميركي، بأن القدرة على المساواة بين الفلسطينيين والاسرائيليين، من حيث المصالح، على صعيد التسوية السلمية، امر مستحيل في واشنطن؛ ما يؤشر على ايام خطيرة قادمة على صعيد القضية الفلسطينية.