الإدارة بالأزمة
من الواضح تماماً أن هناك فرقاً كبيراً بين منهج « إدارة الأزمة « ومنهج « الإدارة بالأزمة» فالمنهج الأول يتم تشكيل خلية متخصصة لإدارة أزمة جديدة طارئة اندلعت نتيجة ظروف معينة من أجل وضع حد لتفاقمها وكيفية معالجتها وتخفيف الآثار الناجمة عن حدوثها، وأما المنهج الثاني فيقوم على افتعال الأزمة ومن ثم تخصيص جهة متخصصة لتطوير هذه الأزمة وتوجيهها نحو مسارات مقصودة، من خلال زج الأطراف المعنية بها، والعناية في كيفية اخراجها والاستثمار في أحداثها وتوظيف آثارها.
والناظر في مسار الأحداث لدينا في المنطقة والإقليم يصل إلى حقيقة واضحة أن معظم الأزمات التي نعيشها ونستغرق فيها ما هي الاّ جزء من مخطط إدارة الإقليم، من أجل أن تبقى دول الإقليم تحت مطارق التوتر وانشغال العقل العام بآثارها والأزمات المتفرعة عنها بعيداً عن الانطلاق بالنهوض والازدهار وتحسين أوضاع المواطنين، فنحن عندما نخرج من أزمة نجد أنفسنا قد دخلنا في أزمة أشد سوءاً وأفدح أثراً، وقد استطاعوا ادخال العالم العربي في مرجل الأزمات الطويلة والممتدة منذ زمن بعيد، ابتداء من أزمة فلسطين ومروراً بأزمة مصر والعراق وسوريا واليمن وليبيا، وحروب الخليج المتوالية، وازمات قبلها وبعدها وكلها جعلتنا في مسار سياسي معقد، ومسار اقتصادي متدهور، ومسار اجتماعي متفكك ويسير نحو مزيد من الشرذمة وظهور العصبيات والانتماءات الجهوية والعرقية والطائفية الضيقة المتعددة على امتداد الرقعة الجغرافية العربية.
وبناءً على هذه الرؤية فإن اقتراب نهاية الأزمة السورية يجعلنا نفكر في الاجابة على سؤال أين هو موطن الأزمة القادمة ؟ ولذلك على جميع الدول التي تحيط بسوريا أن تفكر ملياً في امكانية اندلاع أزمة ما بشكل ما لديها، وبعض المراقبين يرشح بعض الدول الإقليمية الكبيرة للدخول في أزمة داخلية متوقعة، ومنها تركيا وايران، ويعود سبب ترشيح هذين الدولتين من خلال دراسة طبيعة النظام السياسي الحاكم.
الدراسات السياسية المستقبلية ترصد التوجهات العالمية نحو نمط جديد من الحكم الذي يقوم على ركيزة (اللامركزية ) بحيث يتم التقليل من نظام الحكم المركزي الصارم إلى افساح المجال للنمط اللامركزي الذي يسمح بدور أكثر للاقليم والأقليات في المشاركة عبر إحدى الصيغ الفدرالية، ولذلك فإن كثيراً من الدول عمدت إلى محاولة التكيف مع هذه النظرة الجديدة، لكن الملاحظ في تركيا العكس تماماً حيث تم اختيار نظام الحكم الرئاسي بدلاً من صيغة الحكم البرلماني، مما يشكل توجهاً نحو الحكم المركزي الاكثر صرامة، حيث يتمحور حول شخصية الرئيس ويقلل دور البرلمان ويضعف من دور الأحزاب أيضاً، ويقلل من مساحة التشاركية في إدارة الدولة، مما يولّد مجموعة من التساؤلات الكبيرة حول قدرة النظام الجديد على الصمود أمام احتمال اندلاع أزمات داخلية قد تكبر وتتفاقم إلى درجة زعزعة استقرار تركيا بالاضافة إلى جملة من العوامل الأخرى العديدة المتعلقة بزعزعة علاقات تركيا مع أمريكا والاتحاد الأوروبي والمعسكر الغربي بمجمله ، وما سوف ينتج عن هذا الضعف من مشاكل جديدة على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني.
وما ينطبق على تركيا ينطبق على ايران التي تقوم على نمط من الحكم المركزي الصارم الذي لن يكون قادراً على التكيف مع الرؤية العالمية الجديدة التي تقوم على إيجاد صيغة أكثر مرونة باستيعاب الأقليات الدينية والعرقية العديدة من خلال اقتراح نظام سياسي مرن يعتمد اللامركزية، ومن هنا فإن المستقبل سوف يكون مليئاً بالمفاجآت، وسوف تشرب الدول الإقليمية من الكأس نفسه التي ذاقته معظم الدول العربية، إذا لم يتم القدرة على استيعاب الظروف المستجدة على نحو يقارب الحكمة والمرونة. الدستور