حكومة الرئيس وبرنامجها
الحكومات في الأردن لا هي حزبية ولا برلمانية. طالما كان هذا هو الوضع على مر التاريخ السياسي باستثناء حالات نادرة. هي باختصار حكومات الرئيس، يشكلها وفق رؤيته وبرنامجه الخاص، ويختار طاقمها استنادا لخبراته الشخصية مع النخبة السياسية، واستشاراته مع مؤسسات صناعة القرار، ونصائح معارفه.
في بعض الحالات السابقة كان رؤساء حكومات يسلمون أمرهم لمؤسسات وشخصيات وازنة في الدولة ليختاروا جل فريقه الوزاري. وفي أحيان أخرى يتقاسم معهم مهمة التشكيل.
معظم الفترات الرئاسية للحكومات ارتبطت بأسماء رؤسائها، حتى غدت في الفهم السياسي الدارج مدارس حكومية. فيقال مدرسة مضر بدران ومدرسة زيد الرفاعي، وإذا عدنا إلى زمن أبعد نجد نفس التوصيف لفترات حكم توفيق أبو الهدى وسمير الرفاعي 'الجد' وغيره وصولا لمدرسة الشهيد وصفي التل.
في وقت لاحق تراجع تعريف المدرسة لحساب مفهوم جماعة الرئيس. لكن في كل المراحل كان للعلاقات والخبرات الشخصية الدور الحاسم في اختيار الوزراء، مع التزام شبه مطلق بالاعتبارات المناطقية والعشائرية والكوتات الاجتماعية والدينية.
ولم تشذ حكومة أردنية عن هذه المعايير، لا بل إن حكومات عانت من أزمات مجتمعية لأنها أسقطت من حساباتها التمثيل المناطقي.
وفي ظل غياب الحياة الحزبية، وتعثر مشروع الحكومات البرلمانية، نشأت الحاجة لتطوير محدود على الصيغة القائمة مع الاحتفاظ بجوهرها، بحيث تتحول حكومة الرئيس إلى حكومة برنامج الرئيس. وتجلى هذا التحول بطرح الحكومات لخطط وبرامج إلى جانب بيان طلب الثقة من مجلس النواب، في محاولة لإضفاء طابع برامجي على حكومة 'الرئيس'.
حكومة الدكتور عمر الرزاز، هي أحدث محاولة في هذا السياق، خاصة وإنها جاءت على وقع شعار 'تغيير النهج'.
وأضفت هوية الرئيس وشخصيته أهمية لهذا الشعار بوصفه رجلا عرف عنه انشغاله بالسياسات الهادفة للتحول بالدولة الأردنية لمرحلة جديدة في حياتها، وانتمائه لما عرف بتيار الدولة المدنية.
هذا على المستوى النظري، لكن عند الانتقال إلى ممارسة السلطة، وتشكيل الحكومة أو تعديلها، فكل المدارس والتيارات تتساوى وتكاد التباينات بينها تتلاشى، فلا يجد الرئيس غير ذات المعايير والاعتبارات عند اختيار الوزراء. وحين يفكر بالتعديل بعد تجربة المائة يوم أو أزيد، يتحرك في نفس القالب دون أن يستطيع كسره.
في حالة التعديل الوزاري، يحصل الرئيس على فرصة ثانية لتشكيل حكومته استنادا إلى معيار الأداء ومدى قرب الوزراء أو بعدهم عن برنامجه وأسلوبه في العمل. لكن آلية اختيار الوزراء الجدد واشتراطاتها لاتختلف في شيء؛ الاعتماد على خزان التكنوقراط، والخبرات الشخصية مع دائرة المعارف والناشطين في الشأن العام، ونصائح 'السيستم'.
خارج هذه الدائرة لا يملك أي رئيس وزراء خيارات أخرى. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار مبدأ المحاصصة، تصبح العملية برمتها مجرد حركة تغييرات خالية من أي طعم أو لون سياسي، إلا ماندر. وعليه تغدو كل الانتقادات للتعديل منطقية، تماما مثلما حصل مع التعديلات الوزارية على مر الزمن. وتصبح كل تشكيلة بديلة مقترحة من المنتقدين، معرضة هي الأخرى للتقييم السلبي من الآخرين، ما دامت الاعتبارات ذاتها التي تحكم منطق الطرفين.
في المحصلة الحكم النهائي هو على برنامج الرئيس وليس سواه، ومدى قدرته على تطبيقه نهاية المطاف. أما التعديل فهو شأن يخصه وما يعنينا كجمهور النتيجة بعد انقضاء فترة تطبيق البرنامج.
الغد