جمـل المحامـل
هوا الأردن - لعلها الصورة الابرز في تاريخ الفن الفلسطيني , التي اختزلت مشهد اللجوء دون كلام , ورسمت كل المأساة على تجاعيد وجه الجمل البشري الفلسطيني الذي حمل وطنا على ظهره وطاف به اصقاع الدنيا القريبة والبعيدة .
جمل المحامل وكما تقول قصيدة شعبية او اهزوجة شعبية “ برك “ من ميلة الاحمال , بعد ان قطعت سكاكين الانظمة العربية وسكاكين الفصائل الفلسطينية من لحمه ووصلت عظمه , فصار الجمل كسيحا وربما اغامر واقول اكثر من ذلك , بعد ان برك الجمل في كل محطات اللجوء , وتطور الامر في الربيع العربي فصار الجمل اجربا ولا علاج له , فدفع الفلسطيني ثمن اللجوء مرة ثانية وثالثة .
دفعها اول مرة في حرب الخليج الثانية وها هو يدفعها في الربيع العربي بعد ان بات مستهدفا من الانظمة وفلولها ومن الثوار ونصرتهم او هزيمتهم , وبقي اللاجئ يدفع ثمن مغامرات الفصائل ومواقفها التنظيمية الداخلية وقد يتطور الامر الى ان يصبح اللاجئ سبب الازمة وثمنها , فأي اقتراب من حدود عربية للفرار بنفسه واطفاله ممنوع وملفوف بكل اشارات الخطر.
إن شارك اللاجئ في ثورة الشعوب فهو يتدخل في الشؤون الداخلية وان صمت او ناصر النظام فهو فلول ومعاد للثورة الشعبية وجماهيرها , وان حاول الفرار فهو يسعى الى توطين جديد , فعلى اي وجه سيتقلب والى اي وجهة سيسير , وكل الابواب والحدود مقفلة , مشاركته في بناء الاوطان التي لجأ إليها لم تشفع له , بل هي فضيلة منحها البلد المضيف له , كي يعبّر عن امتنانه للدولة ونظامها ,ان حمل شعارا فلسطينيا فهو ناكر للبلد المضيف وان رفع شعارا للوطن الذي يقيم فيه يصبح خائنا للقضية .
بات اللاجئ بحاجة الى وساطات كونية ومحلية كي ينجو بنفسه واهله , وهناك من يطالبه بالموت في مخيم اللجوء على ان يستبدل خيمة بخيمة اخرى , بل الاكثر وجعا وألما ان من جلب له الموت يتوسط له للنجاة , وصار اللاجئ سلعة او رصيدا احتياطيا يستطيع اي فصيل ان يقايض او يساوم عليه بعد ان برك الجمل من ميلة الأحمال .
تقول الاهزوجة أو القصيدة الشعبية “ جمل المحامل برك من ميلة الاحمال , وانا جمل عفي وعلتي الجمّال , اه يا زمان يا زمن يا مغرّب الانسان , يا ابو كل شئ له ثمن يا ارخص الازمان , فيك يا زمان الشوم راح الأمان وما أجاش , والحق مات مظلوم والعدل في الانعاش , جمل المحامل برك من ميلة الاحمال وانا جمل عفي وعلتي الجمّال “ .
حمل اللاجئ الفلسطيني ما لا يحتمله كائن بشري , وحمل واحتمل تناقضات الانظمة وتجاذباتها وميلة الفصائل وميلانها ودفع ثمن تناقضات الجوار والاقطار , ولعله شاهد نجمة البشارة في الربيع العربي قبل ان يتحول الى ضحية الربيع العربي .
جمل المحامل بحاجة الى مراجعة ومعالجة بعد ان اضاع الجمّال الحمل والبوصلة والتهى في وساطات المصالحة وحدود غزة وتفاصيل البناء في رام الله , والتهى في تجميل صورته على المرايا الاقليمية والخضوع لتفاصيل كل مرآة , فعليه ان يظهر في مرآة الخليج بصورة وفي مرآة مصر بصورة ولا تهمه الصورة الحقيقية التي سيجدها حُكما في مخيمات اللجوء وصورة الموت المجاني هناك .
الجمل الفلسطيني طوال عمره جمل عفيّ ولكن علته الجمّال , ولعل انتفاضة ثالثة تأتي بالجمّال الذي يستطيع تصويب الاحمال على ظهر الجمل ولا يتركها مائلة .
omarkallab@yahoo.com