فيزون الشباب وتبرير الكهول
بقلم : عمر كلاب
صحيح ان احدى تعريفات العقل تقول “ انه اداة طيّعة للتبرير “ ولكن ليس الى هذا الحد من السذاجة السياسية , وليست الى حد تشخيص انحسار المشاركة الشعبية في الفعاليات السياسية لأن احدى الناشطات ارتدت “فيزون” , فغابت الجماهير احتجاجا على الفيزون ولم تغب لعدمية الشعار وضعف الوجود الحزبي وغياب البرامج الحقيقية والاداء المتواصل والواعي .
التبرير اداة عجز عن مواجهة الحقيقة والاعتراف بها , ولذا ابتكر العقل سلوك التبرير كي يهرب من عجزه وفشله وكي يستسهل الاجابات الرغائبية التي تبتعد عن مواجهة الذات ومحاسبتها بشراسة ومحاربة شهواتها بضراوة , مما الحق الضرر بالعقل مرتين , الاولى بالقصور عن الاعتراف بالخطأ والخلل والثانية بالانهاك في اخفاء الخلل والاستكانة الى التبرير الذي يمنحنا راحة مؤقتة ويحجب رؤية عوراتنا .
العقل هو نقطة التوازن البشري والتبرير جزء من العقل وليس كله , وهذا الاختلال في وظيفة العقل بحصره في التبرير يضعف الخلايا الدماغية وينقلها الى حالة “ النخاعات “ فالانسان ابن بيئته لذلك هو كائن اجتماعي يتفاعل بالاحداث ويتفاعل معها , وقصور العقل الحزبي والسياسي عن قراءة لتحولات الهائلة في المجتمع الاردني دفعته الى احتراف التبرير واحتراف التبرير اوصل حزب عريق الى قنبلة الفيزون التي افسدت الحراك الجماهيري يوم الجمعة الماضية .
أما اداء الاحزاب فهو إداء مثالي لا ياتيه الباطل من اي اتجاه , فالبرامج جاهزة والقراءة الواعية للأزمة مُلقاة على الطرقات مثل معاني الجاحظ , والحلول الاقتصادية والاجتماعية مركونة على رفّ اللحظة بانتظار اليد السياسية التي يُحاك ليل نهار من اجل بترها او احاطتها بالاسلاك الشائكة خشية الوصول .
الاحزاب في الاردن تنتظر من الحكومة ان تمنحها فرصة الانقضاض عليها , فهي بحاجة الى الدعم الحكومي والى السماح لها بتنظيم نشاطاتها حسب الاجندة الحزبية والى القاء القبض على غير الحزبي , فهي تريد من الحكومة اية حكومة ان تقوم بإفناء ذاتها سياسيا وطبقيا , وتضع نفسها على طاولة السفرة السياسية كي تلتهم الاحزاب الوليمة او اجزاء منها حسب رغبتها وذائقتها السياسية ولعل الفيزون المُفخخ هو من اعاق هذه الخطوة .
التبرير بالفيزون ربما يكون ابرز فيلم مرشح للحصول على جائزة التوتة الذهبية وهي جائزة تُمنح لاكثر الافلام فشلا في هوليوود وربما تنافس على جائزة اسمج نكتة في الزمن الحديث , بوصفها اساءة لمهابة الحدث واساءة الى عقول شباب حاولوا ان يوصلوا غضبهم قبل صوتهم الى الدنيا كلها , وصدّقوا ان مظلة الاحزاب قد تمنحهم امانا وتمنع نهش سمعتهم واعراضهم .
وكعادة الاحزاب تصدمهم بتصريحاتها وتبريراتها وتنسى خذلانها لهم في اكثر من حدث واكثر من موقع , وتنسى انها تريدهم وقودا لوصولها الى مآربها كي تتلذذ بلحمهم الطري , وللاسف يبلع الشباب بحماسة طُعم الكهول , ولا يقرأون تاريخا مليئا بالخذلان والخيبات , وان ابناءهم يدرسون في الغرب الكافر ولم ينزلوا يوما الى الميدان وان نزل احدهم فهو قائد ملهم .
ثمة تبريرات طريفة قد تدفع الفرد منّا الى التنازل عن حقه بالاعتذار لطرافتها او يقبلها اكراما لخفّة دمها , وهناك تبريرات نقبلها لاننا لا نريد خسران من اطلقها وثمة تبريرات ثقيلة الظل ومقيتة وتقول بالفم الملآن انها تستهتر بعقولنا وتستهتر اكثر بجيل جديد يعاني من الخيبات المتوارثة , فنحن لم نكتف بإرثنا الخائب ولا بسلوكنا الجديد الاقصائي بل نمنعهم من ولوج المستقبل على طريقته ونرفض ان يتعلموا من اخطائهم ولذلك تجاوزونا كثيرا والامل ان يسارعوا الى تشكيل احزابهم وعلى طريقتهم.
omarkallab@yahoo.com