حريّة الإستعباد
قال الفاروق عمر بن الخطّاب رضي الله عنه وهو احد المبشّرين بالجنّة وهو أوّل الخلفاء الراشدين يُقتل غدرا متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمّهاتهم احرارا وهذه مقولة من رجل شهد له التاريخ والعالم حتّى الغربي منه بانه رجل إدارة وحكمة من الطراز الأول وقد جسّد في هذه الجملة معنى الحريّة والعبوديّة .
وقد كانت العبوديّة احد المظاهر التي إتّصفت بها المجتمعات الغربيّة وخاصّة الأمريكيّة حيث كانت تجارة الرقيق احدى هذه المظاهر بينما قام الإسلام بتحرير العبيد من اسيادهم في بدايات الدعوة الإسلاميّة قبل خمسة عشر قرنا من الآن .
ولكن من الغريب ان الحريّات تراجعت بشكل مذهل في العالم الاسلامي وخاصّة العالم العربي وتقدمت بشكل ملفت للنظر في العالم الغربي خاصّة في امريكا واسرائيل بالرغم ممّا يقال عن وضع المواطنين ذوي البشرة السمراء في امريكا ووضع الفلاشا والمواطنين العرب في اسرائيل .
وضيّق الحكّام والمسؤولون الخناق على الشعوب وسبل عيشهم حتى اصاب الشعوب الملل بل وابتعدوا عن القيم حتى ان كثيرا منهم لجئوا الى تأليه الاشخاص نظرا لحاجة الشعوب للمال او للجاه او للقمة العيش او لجميع ذلك فنافقوا للحكام والمسؤولين وشاركوهم الفساد واللقمة الحرام وجعلوا من الحكّام آلهة يُعبدون مع الله ونسيت الشعوب حقوقها التي يمنحها لها الدستور وهي حقوق واضحة وضوح الشمس ولكنها تفتقد التطبيق العادل والمساواة والشفافيّة بينما في امريكا واسرائيل في العالب يتم المطالبة بتعديل التشريعات بما يتناسب مع الحاجة الفعليّة للشعب حسب تطور الظروف والاحوال لأن شعوبهم يتمتعون بتطبيق عادل لتلك التشريعات وفي العادة يخضع المسؤولون لرغبة الشعب .
امّا في عالمنا العربي فقد سادت فقط حريّة الإستعباد عند الحكّام اي ان الحاكم والمسؤول اصبحت له كامل الحريّة في طريقة إستعباد الشعب وإذلاله تحقيقا لرغبة صانع القرار سواء كان محليّا او اجنبيّا وكذلك بما يتناسب مع مصلحة المسؤول الآنيّة او المستقبليّة .
إنّ حريّة الإستعباد محرّمة دوليّا ودينيّا وأخلاقيّا وذلك قياسا على ان الإستعباد منافي لكل القيم الإنسانيّة والمجتمعيّة كيف لا وان الشرائع السماويّة والقوانين الدوليّة منحت الإنسان كافّة حقوقه في الحريّات مثل حريّة العبادة والتعبير والتفكير والإقامة وإختيار شريك أوشريكة الحياة وغيرها من الحريّات واثبت التاريخ ان هذه الحريّات لا تتوفّر في حال غياب الديموقراطيّة والعدالة في المجتمع كما أن هذه الحريّات لا تمنح كأنّها هبة من الحكام والمسؤولين وإنما تنتزع رغما عن انوفهم ولكنّها بحاجة للجرأة والشجاعة من المواطنين وعدم الخوف من الإقدام على قول كلمة الحق عند سلطان جائر أو تقديم النصيحة والمشورة الصادقة للحاكم والمسؤول بل وفضح الفاسد والإبلاغ عنه للسلطات الرسميّة لمحاسبته ومعاقبته بعدالة وبغير ذلك تنهار القيم ويتبعها ضياع الإنسان والدولة والحضارات .
فنحن العرب اكثر الناس من ندّعي الكمال ونحن نعلم ان الكمال لله وحده ونحن نُقسم اننا صادقون ونحن نعلم اننا غير ذلك ونحن كرجال من اكثر الشعوب التي تتكلم عن الترابط الأسري بينما اننا من اكثر الشعوب التي تحلف بالطلاق واننا اكثر الشعوب التي تتحدّث عن قوائد القراءة بينما اننا اقل الشعوب مطالعة كما اننا اكثر الشعوب كراهية للثقافة الجنسية وتدريسها مع اننا اكثر الشعوب بحثا عن المواقع والفضائيات الإباحيّة والاكثرإثارة.
فنحن شعوب ينقصها فيتامين ب12 وقد اصبنا بمرض الزهايمر منذ سنوات عديدة حتى تخيلنا اننا ننتصر معركة تلو معركة واننا ما زلنا نغزوا وننتصر ونجبر اهل الذمّة دفع الجزية ونهبها لبيت مال المواطنين او لتحرير الفقراء وفك رقبة المحتاجين تلك هي احلامنا وبحمد الله ترك لنا حكّامنا ومسؤولينا حريّة الأحلام على ان لا ندخل عالم السياسة وبشرط انه إذا ظهر حاكم او مسؤول في المنام يجب ان نصحو فورا ونتوضأ او نغتسل ونؤدي قسم الولاء والتحيّة ونعود للمنام والأحلام ثانية .
ذلك ان الحكام والمسؤولين يفسرون كلام الفاروق على انه سؤال بريئ عن زمن وتاريخ الإستعباد وليس سؤالا إستنكاريا ورفضا للإستعباد ونزع الحريّات لذلك هم نزعوا حق المواطن في أي حريّة ومنحوا لأنفسهم حق حريّة إستعباد المواطن وكأنّه جزء من ممتلكاتهم الشخصيّة .
ورغم ان بداية ما عُرف بالربيع العربي اعطى دفعة من الإعتقاد بأن الشعوب العربية أوشكت ان تنتزع بعض من حقوقها وحريّاتها بعد ان نهشت اجساد جلاّديها سرعان ما تلاشى ذلك الحلم بعد ان تأكّد لتلك الشعوب أنّهم ينفِّذون مخططات للأجنبي الذي إعتبر أنّ مهمّة أولئك الجلاّدين قد انتهت وأننا بحاجة لجلاّدين جدد يجلدوننا بكرابيج تجعلنا نعتقد انها كرابيج ديموقراطيّة تلسعنا بينما نحن نهتف لها ولمن يحملون السياط ايضا.
وقال امير الشعراء احمد شوقي وما اشبه اليوم بألأمس
وللحرية الحمراء باب...............بكلّ يد مضرّجة يدقّ
وعلى الشعوب ان تنتزع حريّاتها بايديها مهما كلّف ذلك من جهد وارواح لكي ينموا اطفالنا وهم مالكين حرّياتهم يدافعون عن حقهم في حمايتها على الدوام .
حمى الله الاردن ارضا وشعبا وقيادة ومتّعه بالحريّة والرخاء على الدوام .
احمد محمود سعيد
28/5/2014