من حرّك مظاهرة معان
هوا الأردن - ماهر ابو طير
إخرج عشرات الأشخاص في معان البارحة حاملين يافطة تقول: معان هي فلوجة الأردن، وإذ تسأل قيادات في السلفية الجهادية في الأردن عن هذه المظاهرة يقولون لك إنه لا علاقة لهم بها لا..من قريب ولا من بعيد؟!.
لاينكرون هنا مشاركة ثلاثة أو أربعة اشخاص فقط ينتمون فعليا للسلفية الجهادية، في هذه المظاهرة التي تمت الدعوة إليها بواسطة «الواتس اب» ودون تغطية مسبقة من قيادات السلفية الجهادية في الاردن.
وفقا لذات القيادات فإن ما لا يزيد على ثلاثين شخصا فقط خرجوا في هذه المظاهرة المثيرة، التي عنوانها «معان فلوجة الأردن» ومن هؤلاء أكثر من خمسة عشر شخصا أعمارهم ما دون السابعة عشرة، وبعضهم مطلوب للاجهزة الامنية على خلفية قضايا متعددة.
غير أن التبرؤ من مظاهرة السلفيين الجهاديين، -أو قل عدم تبنيها بلغة أخرى من جانب السلفيين الجهاديين في الأردن - يعكس ما هو أعمق، داخل السلفية الجهادية التي تنقسم الى عدة اقسام في الاردن.
سابقا كنا نتحدث عن اقسام السلفية الجهادية على اساس المرجعيات الفكرية تارة، وعلى اساس «سلفي» أو «سلفي جهادي»، غير ان علينا التنبه اليوم الى قسمة من نوع آخر له علاقة بالازمة السورية تحديدا، وظلالها على الاردن.
كما هو معروف فإن القاعدة في سورية ممثلة بجبهة النصرة، حاولت البقاء وكيلة حصرية للقاعدة في سورية، فيما خرجت الدولة الاسلامية في العراق وسورية «داعش» من عباءتها، في انقسام واضح وحاد، على صعيد بنى التنظيم في سورية.
هنا في الأردن انقسمت أيضا «السلفية الجهادية» تحديدا إلى فريقين، فريق مع النصرة، وفريق مع داعش، وأغلب أبناء معان الذين يحاربون في سورية، ينتمون للنصرة وليس لـ»داعش»، غير ان انتصارات داعش الميدانية في العراق تحديدا انعشت الفريق السلفي الجهادي المحسوب على «داعش» في الاردن ، ومنحته قوة كبيرة.
، ويسعي كل طرف لتثبيت وكالته الميدانية للتنظيم الأم، وبرغم ان القيادات المحسوبة على النصرة في الاردن، لا تريد التورط بنشاطات ميدانية في الأردن، إلا أنها من جهة أخرى ترى ان «داعش» قد تؤدي الى إرباك مجمل السلفية الجهادية إذا حاولت داعش مد نشاطاتها باتجاه الأردن.
هي مثل حالها في سورية والعراق، لن تأخذ موافقة السلفية الجهادية المحسوبة على جبهة النصرة، بل ستعمد الى شق طريقها بشكل منفرد، وبمعزل عن حسابات جماعة النصرة.
كل هذا يعني أن «التبرؤ» أو عدم تبني مظاهرة معان، يأتي في سياق الصراع والمواجهة بين الفريقين، لأن فريق النصرة في الأردن، لا يريد أن يقوى فريق داعش، ولا يريد ايضا أن يدفع كلفة انتعاش السلفية الجهادية المحسوبة على «داعش» في الاردن.
في تحليل التنصل من مظاهرة معان، رغبة ايضا باستباق أي تمدد لتيار داعش، عبر سلب التيار أية شرعيات، وتثبيت تيار النصرة باعتباره ممثل القاعدة الحصري هنا.
في كل الحالات علينا أن نتوقع انقساما أعلى في المرحلة المقبلة، والانقسام داخل السلفية الجهادية على اساس جماعتين، النصرة وداعش، امر خطير في الاردن، لأن حسابات كل فريق تختلف عن الآخر، والاردن سيواجه جماعتين، لهما جذر واحد، وخطين مختلفين.
جماعة النصرة في الاردن تغذيها الجبهة السورية فعليا، فيما جماعة «داعش» ستغذيها انتصارات الجبهة العراقية، وكل هذا يقول ان الجبهتين لا تغيبان عن الاردن من حيث التأثيرات البعيدة القريبة.
يبقى السؤال الأخطر هنا، والأهم بين كل الاسئلة، وهو يتعلق بالاردن حصرا الذي لاتوجد فيه مشكلة مذهبية، والنصرة وداعش حتى الآن منهمكتان بحرب مذهبية في سورية والعراق، فلماذا سيقرر احد الفريقين جعل الأردن ذات توقيت هدفا من اهدافه، وهل سيقرر احد الفريقين ذلك، وسيرفض الفريق الآخر؟!.
في الإجابات نقرأ أن الانهماك بحروب مذهبية سيجعل كلا الفريقين مشغولين بعيدا، غير ان استقرار اي الفريقين، وتمكن احدهما سيجعل عين ذاك الفريق موجهة باتجاه الاردن، باعتبار ان الانتصار لا بد أن يجلب تمددا طبيعيا.
يبقى رد عمان الرسمية في هذه الحالة، قائما على عدة اعتبارات، اولها الرد الأمني والفني، وثانيهما الاستثمار في انقسام الفريقين، وثالثهما اللجوء الى رموز قيادية تم تأهيلها فكريا بشكل جديد ولها تأثيرها، للحد من مخاطر التمدد، ورابعها المراهنة على ساحتي العراق وسورية بأعتبارهما محرقة لكل التنظيمات.
لايمكن ان نقرأ مظاهرة معان الا باعتبارها تقول ان انقسام السلفية الجهادية في الاردن بين داعش والنصرة، بدأ يتبلور على الارض، وهو انقسام له تداعياته التي قد لا يمكن ضبطها.