لماذا تجريد الفلسطينيين من السلاح؟!
بعد دعوته المخلصة إلى رفع الحصار عن غزة، يكتب كيث إليسون، النائب الديمقراطي المسلم المتعاطف مع الفلسطينيين في الكونغرس الأميركي: "وبالمثل، يستحق الإسرائيليون العيش أحراراً من إطلاق الصواريخ والهجمات الإرهابية. وحتى يعيش الإسرائيليون بسلام وأمان في ديارهم، يتعين على حماس التخلي عن الصواريخ وغيرها من الأسلحة". ويقترح شلومو بن عامي، وزير خارجية الكيان السابق الذي يبدو ميالاً الآن إلى السلام، أن الحل "يتطلب رفع الحصار عن غزة وفتحها على العالم. والثمن الذي سوف يكون لزاماً على حماس أن تدفعه هو نزع السلاح الكامل وتجريد غزة من الصفة العسكرية تحت إشراف دولي، مع سيطرة السلطة الفلسطينية بقيادة عباس على المعابر الحدودية إلى إسرائيل ومصر". وهناك آخرون كثر يريدون نزع سلاح الفلسطينيين، ومنهم جهات عربية مشبوهة تاريخياً. وحتى الدولة الخيالية المعروضة على الفلسطينيين يجب أن تكون منزوعة السلاح كشرط أساسي.
إذا كان المعلقون والمتدخلون يفهمون الاشتباك الدائر في غزة الآن صراعاً بين قوتين وجيشين، بل وحتى دولتين متكافئتين، فلماذا يجب نزع سلاح إحداهما وترك الأخرى مدججة حتى الأسنان كما هي، حتى مع الفارق البائن في طبيعة أثر السلاح على الأطفال والمدنيين؟ وإذا كان ذوو الضمير يضعون في الاعتبار أن الكيان هو دولة احتلال غير شرعي بتعريف القانون الدولي، وأن الفلسطينيين شعب خاضع لأسوأ وأطول الاحتلالات، فلماذا لا يحق للفلسطينيين الدفاع عن أنفسهم أمام الاحتلال، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة نفسه؟ لماذا توسم المقاومة الفلسطينية بالذات بأنها إرهاب والإجرام الصهيوني بأنه دفاع عن النفس؟ هل لأن حماس ترفع يافطة إسلامية فقط، أم لأنها تقاتل ولأن كل فلسطيني يقاتل مهما كانت أيدولوجيته مستهدف ومرفوض؟
بالنسبة لمطلب إليسون: "يعيش الإسرائيليون بسلام وأمان في ديارهم" فإن أكثر من سبعة ملايين فلسطيني في الشتات وعدد كبير من المهجرين خارج الخط الأخضر وداخل فلسطين التاريخية، لا ينسون الحقيقة المعروفة للجميع: إن هذه "الديار" أو "المنازل" هي حرفياً منازل الفلسطينيين التي استولى عليها المستوطنون الغرباء وألقوا بأصحابها إلى العراء. ويكتظ قطاع غزة بالذات بسبب كثرة اللاجئين المهجرين في العام 1948، الذين تقع منازل بعضهم التي يحتفظون بمفاتيحها وراء السياج مباشرة، ويستطيع بعضهم أن يراها بالعين المجردة من هناك. ولأسباب غريبة مفصلة فقط لاضطهاد الفلسطينيين، أصبحت استعادة البيت الشخصي المسروق، بالسلاح أو بغيره، إرهاباً وعنفاً وتخريباً وما تشاؤون من الصفات. وأصبحت مقاومتهم لأسوأ أنواع العنف المسلح بالسلاح "حرباً عدوانية" ضد مدنيين مسالمين ينبغي أن يكونوا آمنين متمتعين بما سرقوه!
بن عامي يريد نزع سلاح غزة وتسليمها للجهة الفلسطينية التي يعرف أنها لا تقاوم، ويعرف أنها تقدم أثمن خدمة لأمن المتنعمين بأملاك الفلسطينيين المشردين. وفي ذهنه بشكل أساسي تحويل غزة إلى ضفة أخرى، لا تسبب لكيانه المشاكل ولا تصد بيديها عن وجهها، وتتصرف كتابع طيع يتقبل الإذلال برأس مسدلة. وبطبيعة الحال، يغفل بن عامي، وإليسون، و"السوائم" المعروفون من العرب العاربة، أن غزة التي لا تطلق النار على العدو كانت تموت يومياً من الحصار والبطالة وسوء تغذية الأطفال والفقر ومياه المجاري وقلة الأدوية والذل الذي لا بد أن يصاحب الاحتلال.
سوف تكون غزة بلا سلاح مستباحة تماماً للعدو كما هي الضفة الآن. سوف تصبح حرفياً تحت البسطار العسكري الصهيوني المعروف بلاإنسانيته واستهدافه الوجود الفلسطيني بالإلغاء. ولا أبتكر شيئاً إذا كررتُ أن الفلسطينيين، مسلحين أو عزلاً، هم الهدف الوحيد والدائم والوجودي لآلة القتل الصهيونية. كل الحقائق تتحدى من يزعم غير ذلك. ليس الفلسطيني المهجر المحروم من وطنه، أو الموقوف على نقاط التفتيش العنصرية، أو المعتقل في سجون العدو، أو الذي لا يجد قوت يومه، إنساناً آمناً يزاول حياة طبيعية لأنه بلا سلاح.
سيكون بلا ضمير من ينسب مذبحة غزة الآن إلى أيديولوجيا حماس الإسلامية أو غيرها. سيكون ذلك نزعاً متجنياً للأمور من سياقاتها: ثمة شعب منكوب يقاوم محتلاً إجرامياً. وأمام عدو يقتل أطفالهم ورجالهم ونساءهم وشيوخهم يومياً، سيكون بلا ذرة ضمير من ينصح الفلسطينيين بتسليم سلاحهم الذي يحوزونه بشق الأنفس. لن يكون فلسطينيا من يستطيع حيازة سلاح يستخدمه ضد العدو ولا يفعل!