الأزمة بين مصر والفلسطينيين في غزة
العالم يحتفل باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني هل أصبحت القضية الفلسطينية في وضع أفضل مما كانت عليه قبل هبوب رياح التغيير في العالم العربي ؟ وهل أحدث مصر نقلة نوعية في العلاقات المصرية - الفلسطينية يمكن استثمارها إيجابياً لصالح القضية الفلسطينية ؟ إن توجيه الاتهامات لغزة هو أسهل ما يكون للسلطات المصرية ، أن العمليات في سيناء لم تكشف عن قتل أو اعتقال فلسطيني واحد شارك في قتل الجنود المصريين . ويبقى لسان حال الفلسطينيين في غزة ، إلى متى سنبقى الشماعة التي تعلق عليها الأنظمة فشلها في مواجهة أزماتها الداخلية ؟ وألا يكفي ما واجهته من محرقة على مدار ثلاث حروب وأكثر في سبع سنوات من الحصار ؟ أن الإجراءات المصرية التي ابتدأت بإغلاق معبر رفح حتى إشعار آخر ، ستلقي بآثارها السلبية على الواقع الفلسطيني ، كون معبر رفح المتنفس العربي الوحيد للفلسطينيين في قطاع غزة . أن هناك استهدافا واضحا لغزة بتشديد الحصار عليها . تزداد الأزمة بين مصر وقطاع غزة يوماً بعد آخر ، فلا ينقضي يومٌ دون تصريحاتٍ ومقالاتٍ تحريضية ، غصت بها الصحف ، وعمت مختلف الفضائيات ، تزيد كلها في عمق الأزمة بين الطرفين ، وتنفخ في جمر الفتنة ، وتحاول أن تسعر نارها بجهالةٍ بين الشعبين ، مما يثير الاستغراب والتساؤل ، من المستفيد من هذه الأزمة ، ومن الذي يتولى كبرها ، وينفخ في كيرها ، وهل هي أزمةٌ حقيقة ، أم أنها محاولة من أطراف الأزمة السياسية المصرية للاستفادة من ورقة قطاع غزة ، واتهامه بالانشغال بدعم الفلسطينيين على حساب المصالح المصرية ، رغم أن حجم الأضرار التي لحقت بسكان قطاع غزة في ظل القيادة المصرية الجديدة ، أكثر بكثير من تلك التي مني بها في ظل الحكم المصري البائد ، ولكن سكان قطاع غزة تفهموا الظروف ، واستوعبوا الأزمة ، وعضوا على جرحهم ، ومنوا أنفسهم بانتهاء الأزمة المصرية ، لأن في استقرار مصر رخاء غزة ، وفي أمن مصر نعيم سكانها تكاد تكون هذه الأزمة هي الأخطر والأشد التي تواجه الفلسطينيين عموماً وسكان قطاع غزة على وجه الخصوص ، بل لعلها تتجاوز في أخطارها وتداعياتها مما يوجب على العقلاء من أبناء الشعبين ، من المؤولين والمثقفين ، ومن كل صاحب رأي ومشورة ، أن يساهم في إطفاء نار الفتنة ، وإنهاء هذه الأزمة ، ووقف الحملات التحريضية التي تضر بمصالح الأمة ، وتعود بالنفع فقط على الاحتلال الصهيوني ، الذي يستفيد من الاختلاف ، ويفرح لما أصاب العلاقة بين الشعبين من تدهورٍ وتراجع ، ولا أعتقد أن هناك ما يجب أن يشغل المسئولين عن هذه الأزمة ، فلها الأولوية المطلقة ، ولمواجهتها ينبغي تسخير كل الجهود والأوقات والطاقات مخطئ من ظن من المصريين أن سكان غزة يرومون بشعب مصر شراً ، أو يتطلعون إلى إيذائها وإلحاق الضرر بها ، أو أنهم يقدرون على الإساءة إليها ، أو التشويش عليها ، فمصر أكبر من أن تنال منها جهودٌ تخريبية ، أو تلحق بها مجموعاتٌ أو أفرادٌ إساءاتٍ أو اضطرابات ، فهي مستقرة ، وبرجالها قوية ، وبأهلها عزيزة ، وهي وإن كانت اليوم جريحة أو مشغولةً بهمومها ، إلا أنها تبقى قادرة على مواجهة كل الخطوب الخارجية وتحديها أياً كانت مصادرها أو مرتكبوها يقف العدو الصهيوني فرح سعيد وهوى يرى مصر في مواجهةٍ مع غزة والمقاومة الفلسطينية ، وهي الثورة التي قامت لأجل فلسطين وأهلها ، ولا يخفي العدو سعادته لهذه النتيجة التي آلت إليها العلاقة بين الشعبين ، ومطمئن إلى الجهود القذرة التي تبذل ، والأقلام المأجورة التي تعمل ، والمساعي الخبيثة التي تبذل ، فلعدو وإن غاب عن الفعل والتآمر المباشر ، أوكل إلى عملائها ، ليقوموا بما عجزت عن فعله ، ليباعدوا بين الشعبين ، ويزيدوا في حجم الهوة بينهما ، ويسعروا الفتنة نار الفتنة المقيتة ، فكل قلمٍ كتب ، ولسانٍ ذكر ، وفضائية نشرت ، بما يعقد الأزمة ويحول دون تطويقها ، إنما لبى أماني العدو وحقق رغباته ، ووضع نفسه موضع الشبهة والتهمة ، وهو بما يقوم به إنما يتآمر على الأمة ومقدراتها ، ويخون المقاومة وأهلها ، ولا يخدم بخوفه أو قلقه مصالح شعبه وأهداف أمته ، بل يشمت العدو ويسعده ، ويرضي المتآمرين ويثلج صدورهم ، ويطمئنهم على ما فقدوه من أنظمةٍ وعملاء جراء الثورات العربية. أما إن كان هناك مخطئون أو مجرمون ، ممن يتعمدون الإساءة إلى الشعبين ، والإضرار بمصالح الأمة ، بقصدٍ أو بحسن نية ، ولكنهم باجتهادهم يسببون الفتنة ، ويلحقون الضرر بمصر وأهلها ، أو يسيئون إلى فلسطين وأهلها ، فينبغي محاسبتهم ، والضرب عليهم بأيدٍ من حديد ، وألا تأخذنا بهم رأفةٌ أو شفقة ، إذ هم إما جهلاء سفهاء ، لا يفهمون ولا يقدرون ، ولا عقل عندهم ولا رشد فيهم ، أو أنهم عملاء مأجورين ، ومتآمرين خائنين ، ينفذون ما يطلبه العدو ويتمناه ، فيكونون هم وإياه سواء في عدائهم للأمة قد لا تكفي التصريحات والمؤتمرات الصحفية ، ولا تفي بالغرض محاولات التبرئة والتنصل من الجرائم المنسوبة ، ولا يجدي حسن النية والاعتماد على وعي الشعبين وإرادة الأمة لتجاوز الأزمة ، إنما يجب أولاً على القيادة الفلسطينية أن تتفرغ لإنهاء المشكلة ، والاجتماع مع القيادات المصرية على أعلى المستويات ، السياسية والأمنية والعسكرية ، لتسوية المشاكل العالقة ، ووقف أبواق الفتنة ، وإشاعة علاقات المودة والمحبة بين الشعبين كما كانت ، وكما ينبغي أن تكون ، ولا ينبغي أن يشغلها عن هذا الواجب شئ ، فهو الفرض والمقدم ، والواجب الأهم ، إذ لا مصلحة للفلسطينيين في فقدان مصر لأمنها ، ولا في حرج قيادتها ، ولا نفع يعود عليهم جراء تدخلهم في الأزمة المصرية لصالح فريقٍ ضد آخر ، يا عقلاء مصر فلتعجلوا في وأد الفتنة ، وردم الهوة .