التنظيم إذْ يصبح شوربة
عبّر القائمون على مبادرة "زمزم" عن ارتياحهم، وتنفّسوا الصعداء بصدور قرار مجلس شورى الإخوان المسلمين القاضي باعتبار "زمزم" جهداً وطنياً لا يتعارض مع مبادىء الجماعة وغاياتها، بالرغم من كونها مبادرة مستقلة استقلالية تامة..! وربما غفِل المجلس أو تغافل في أتون انشغاله بالقضية المعروضة عليه والتوسّطات التي سبقت ذلك، وفي خضم بحثه المضني عن تخريجة تحفظ ماء وجه الجميع إزاء هذه القضية الخلافية، والموقف من القائمين على المبادرة، وصولاً إلى التراجع عن قرار فصلهم من الجماعة، فالمسألة لا تتعلق بمدى التعارض أو الانسجام مع مبادىء "الإخوان" وأفكار الجماعة، بقدر ما تتعلق بانبثاق مبادرة سياسية وطنية، بهذا الحجم من الأهمية والاهتمام، عن قيادات ورموز معروفة في الجماعة دون إذن وموافقة مسبقة أو على أقل تقدير مباركة من الجماعة ذاتها..!!؟ هذا هو التكييف التنظيمي والقانوني "إذا صحّ التعبير" للقضية، ولو أراد كل قيادي أو رمز في جماعة الإخوان المسلمين أن يخرج على المجتمع بمبادرة وطنية أو سياسية أو غيرها مدّعياً أنها مبادرة مستقلة وإصلاحية، فهل بإمكانه ذلك دون الحصول على موافقة الجماعة، وهل من الحكمة السياسية والتنظيمية لجماعة لها تاريخها التنظيمي الطويل والمحكم القائم على الطاعة والالتزام بقرار ومبادىء الجماعة وأدبياتها وأطرها التنظيمية والإصلاحية ومبادراتها الذاتية المستقلة، أن تسمح لكل منْ أراد من قيادييها أو رموزها أو حتى أحد أعضائها العاديين أن يخرج على المجتمع بمبادرة وطنية باتجاه ما، بزعم أنها مستقلة وأنها إصلاحيّة لا تتعارض مع مبادىء الجماعة، ولا تحتاج إلى مباركتها..!!؟ أرجو هنا أن لا يفهم أحد قط أنني أحرّض ضد جماعة "زمزم"، بل ربما كنت من المؤمنين بجزء كبير من أفكارهم، لا سيّما وأن القائمين على المبادرة شخصيات وطنية فكرية إسلامية مشهودة بالعلم والفكر والتأثير والأفق الرحب، لكنني أناقش قضية تنظيمية مبدئية مهمة وعادلة، فلطالما كانت جماعة الإخوان المسلمين حريصة على متانة تنظيمها، ولطالما كانت جماعة أكبر من الأشخاص والأسماء، ومنْ يخرج عن إطارها التنظيمي وقرارها الجماعي كان يتعرض للفصل من الجماعة، وهكذا هي التنظيمات السياسية والحزبية والأيدولوجية، فما دمتُ مؤمناً بالتنظيم فإن عليّ الالتزام بما يمليه عليّ في الإطار الديمقراطي الشوري، وإلاّ فيجب أن أخرج من إطاره، لألعب وحدي بمنأى عن التنظيم وقرارات الجماعة وقيادتها..!! ما أريد أن أقوله: إذا كانت مبادرة سياسية بحجم "زمزم" لا تجد المباركة من جماعة الإخوان المسلمين، ولا حتى القبول والتأييد، فيما هي تنسلّ من داخل عمق الجماعة، فهل من المنطق والحكمة أن يقول مجلس شورى الجماعة أنها مبادرة قائمة على فهم الإسلام بوصفه مرجعيّة قيميّة للأمة بكل مكوناتها، وأنها إطار وطني يفتح ذراعيه للجميع.. وأن يحكم بالتالي بأن القائمين عليها لم يخرجوا عن خطّ الجماعة ولا عن قرارها وتنظيمها..؟!!؟ كيف يتفق أن تخرج مبادرة بهذا الحجم من رداء الإخوان، ومن أفكار رموز معروفين فيها دون أن تجد التأييد من الجماعة ذاتها ثم يُقال بأن القائمين عليها أحرار في مبادرتهم وأنها تمثلهم ولا تُمثّل الجماعة بالرغم من أن الأفكار التي حملتها المبادرة لا تتعارض مع فكر الجماعة ومبادئها، فماذا لو تحوّلت "زمزم" في قادم الأيام إلى حزب سياسي، ماذا سيكون موقف الجماعة منها ومن قيادة حزبها الجديد، هل ستنضم الجماعة إلى الحزب أم سينضم الحزب إلى الجماعة..!!؟؟ هذه، مع الاحترام للجميع" سابقة ستؤدي إلى فوضى عارمة في التنظيم الإخواني، وهي اعتراف بقصور دور الجماعة وعجزها، ولنتصوّر أعداداً أخرى من الإخوان، تعلن في المستقبل عن مبادرات وطنية جديدة تزعم أنها للإنقاذ ولوحدة الصف وأنها الجامع الوطني لكافة أفراد المجتمع.. فماذا تبقّى للجماعة، ولماذا تبقى إذن..؟!! أي "شوربة" في التنظيم نتحدّث عنها أيها السادة..!!؟ منْ أراد أن يطلق مبادرة لا توافق عليها جماعته أو تنظيمه فعليه أن يستقيل أولاً من التنظيم ثم ينشغل بمبادرته.. فذلك أكرم له ولمبادرته ولتنظيمه الأم..!
Subaihi_99@yahoo.com