إنا كفيناك
لعلنا فكرنا كثيراً فيما يكون خير فاتحة سطورنا للعام 2015م، فقمنا بتقديم مواضيع وتأخير أخرى حتى جاءنا الموضوع الذي لا يمكن أن يكون خيراً منه افتتاحية مقالاتنا لهذا العام. قبل أيام عند سؤاله عن حرية التعبير قبل وصوله إلى العاصمة الفلبينية مانيلا كان جواب بابا الفاتيكان فرنسيس الأول بأن أحدهم لو تعرض لوالدته فسيقوم بلكمه في وجهه فما بالكم لو أهان أحداً مقدساته، وأن حرية التعبير أمر مقدس لكنها لا تعني إهانة معتقدات الآخرين، حرية التعبير هذه التي يحرص جميع زعماء العالم على عدم المساس بها، بل وخرجوا في صفوف متلاصقة لمحاربة الإرهاب الأسود الذي اعتدى عليها مؤخراً في فرنسا. وفي نفس سياق هذه الحرية في التعبير التي يدعي البعض بأنها لا تتجاوز حدودها عندما تتعرض لنبي له أكبر المكانة عند ما يقارب ربع سكان العالم، تقبل استقالة "جيم كلانسي" أحد أعمدة شبكة التلفزة الأمريكية الشهيرة (سي إن إن) بعد 34 عاماً من العمل فيها، بعد أن تجرأ بالتلميح عبر التويتر بالقول أن إسرائيل تعمل على تحريض الفرنسيين على المسلمين بعد أحداث شارلي ايبدو، وهنا يظهر كم أن حرية التعبير مقدسة عند أمثال هؤلاء. والسؤال الذي نود طرحه على سيادة الرئيس الفرنسي الذي نحرص معه كل الحرص على حفظ حرية التعبير في جميع أنحاء العالم، ترى هل سيقبل سيادته أن نمارس هذه الحرية في التعبير عن رأينا في ممارسة "التفل" و"اللكم" في وجه مالك مجلة شارلي ايبدو وكل من يدعمه في النيل والاساءة من رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، والذي هو عندنا أغلى من آبائنا وأمهاتنا وكل ما نملك، أم أن هذا سيعتبر إساءة لوجوههم التي تنفث الحقد والكراهية وتستمر في ذلك بطبع ملايين النسخ من قذاراتها تحت مرأى ومسمع وزير الثقافة الفرنسي وجميع المسؤولين الفرنسيين وصولا إلى سيادة الرئيس فرانسوا هولاند. بكل الأحوال نطمئن الرئيس الفرنسي بأننا لا يمكن أن نفعل ذلك مع أمثال هؤلاء، ليس لأنهم لا يستحقون ذلك بل على العكس هم يستحقونه وأكثر وبجدارة، ولكن لأن تفلتنا لا تستحق أن نلوثها بمثل أحقاد هؤلاء. فكما نرفض تماماً أن يرتكب أي إنسان جريمة باسم الاسلام وينسب ذلك إليه ونستنكر ذلك بأعلى أصواتنا، لا يمكن لنا إلا أن نستنكر ونرفض أي إساءة لحبيبنا وسيدنا رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله ليتمم مكارم الأخلاق. ونتيقن في الوقت ذاته أنهم وأمثالهم لن يتوقفوا عن مثل هذه الإساءات التي يجهلون أنهم يساهمون بها في رفع قدر نبينا وهم لا يعلمون، ذلك لأنه جبلاً شامخاً في عقولنا وقلوبنا وأعيننا وسيبقى كذلك، ومثل هذا الجبل كلما تم رميه بحجر كان هذا الحجر زيادة في الأحجار التي تسنده وترفعه أكثر فأكثر، ولكنها الحماقة التي أعيت من يداويها من غيبت ذلك عنهم. كما أنه في كل مرة تتم فيها الإساءة للمصطفى عليه الصلاة والسلام نتذكر أن علينا نصرته ليس بالكلمات والأقوال فقط، بل بتجنب أن نكون ممن يقول فيهم عليه الصلاة والسلام لرب العباد: {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً} سورة الفرقان الآية 30. ولأنه عليه الصلاة والسلام سيبقى قدوتنا وقائدنا ومعلمنا، ولأن كل محاولات الإساءة له لم تنجح في منعه من مواصلة طريقه في الدعوة لنشر مبادئ المحبة والسلام في هذا العالم، كذلك لن تنجح معنا مثل هذه المحاولات التي لا تعبر إلا عن مرض أصحابها وشدة علتهم، ممن لم يسمعوا قول رب العالمين: {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك المستهزئين * الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون * ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون * فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين * واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} سورة الحجر 94-99.