حدود رد حزب اللـه على غارة القنيطرة
ليس من العسير القول إن العملية التي نفذها حزب الله في مزارع شبعا الأربعاء هي محاولة لحفظ ماء وجهه، وبالتأكيد ماء وجه إيران بعد مسلسل من الوعود بالرد والثأر على عدد من الاستهدافات والاغتيالات دون ترجمتها في الواقع العملي.
وفي حين تأتي العملية بمثابة رد على غارة القنيطرة التي قتلت عددا من قادة حزب الله، إلى جانب جنرال إيراني كبير، ومساعد مهم لقاسم سليماني، فإن الحساب إذا جئنا نفتش فيه ما زال مفتوحا على عدد من الاغتيالات التي لم يأخذ الحزب بثأرها رغم مسلسل من الوعود، وفي مقدمتها اغتيال القائد العسكري للحزب (عماد مغنية)، وبعده حسان اللقيس، فضلا عن عمليات قصف قتلت عددا كبيرا من العناصر العاديين في سياق من استهداف قوافل أسلحة كانت قادمة من سوريا.
اختار الحزب عملية محدودة ومحددة، وإن كانت جريئة وقوية، حيث استهدفت جنودا في منطقة لا تزال محتلة (مزارع شبعا)، وكانت خسائرها (مقتل جنديين) من العيار الذي يحتمله الاحتلال ما دامت الحسابات السياسية لا تميل إلى التصعيد، بحسب إجماع أكثر المراقبين، بل بتصريحات إسرائيلية واضحة، تتعلق برسائل غير مباشرة بين الطرفين بألا مصلحة لأحدهما بالتصعيد.
في هذا السياق أكد وزير الحرب الصهيوني موشيه يعلون صباح الخميس، أن حزب الله أبلغ كيانه عبر القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان “يونيفيل”، بأنه غير معني بمواصلة التصعيد، وأن عمليته بالأمس تمثل نهاية للتصعيد، في حين كشفت قناة التلفزة الإسرائيلية الأولى ليلة الخميس أيضا أن تل أبيب أبلغت حزب الله أيضا بشكل غير مباشر، بعدم رغبتها في التصعيد من خلال دعوتها للمستوطنين في الشمال إلى العودة لنمط حياتهم العادي.
وبحسب المعلق العسكري لصحيفة هآرتس؛ عاموس هرئيل، فإن حزب الله يدرك أن فتح جبهة واسعة ضد إسرائيل يعني المسَّ بأهم هدف يسعى الحزب لتحقيقه وهو الحفاظ على نظام بشار الأسد في سوريا. مع العلم أن الأمر هنا لا يخصُّ الحزب، بل يخص مرجعيته ممثلة في الولي الفقيه الذي يعتبر الحفاظ على بشار الأسد أولوية الأولويات على الإطلاق.
واللافت هنا، ونحن نعلمه وقلناه مرارا وتكرارا أن قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة قالت إن “هناك مصلحة إسرائيلية كبيرة بألا يفضي أي عمل عسكري إسرائيلي ضد حزب الله إلى التأثير على موازين القوى بين نظام الأسد ومعارضيه”.
ونوهت القناة إلى ما رددناه مرارا منذ عامين، وهو أن التقدير العام في إسرائيل يقول “إن الإبقاء على نظام الأسد ضعيفا وهشا أفضل من المخاطرة بمواجهة تبعات سقوطه”، وبالطبع في ظل وجود جماعات جهادية لا يمكن السيطرة عليها.
كان لافتا بطبيعة الحال ذلك الاحتفال المهول في وسائل إعلام إيران وحلفائها بالعملية (نكتب قبل خطاب نصرالله الذي سيحتفل بها أيما احتفال أيضا)؛ لكأنها هزت الكيان الصهيوني، ما يشير إلى حاجتهم إلى انتصار يحفظ ماء الوجه من جهة،لكنه يفضح من جهة أخرى ذلك التناقض في سلوك القوم تبعا لإدراكهم لحجم الخطيئة التي يرتكبونها في سوريا.
في هذا السياق أشار كاتب شيعي لبناني معارض لحزب الله (محمد جواد) إلى هذه المعادلة في مقال بعنوان: “عملية شبعا: نعم.. حزب الله يخجل من دوره في سوريا”، حيث قال: “نحو ألف قتيل، إذا صحّ العدد، وبين ألفين وثلاثة آلاف جريح، هي حصيلة خسائر حزب الله في سوريا. لم نشهد تشييعا واحدا يفتخر به الحزب أو بيئته. لكن ستة شهداء في مواجهة إسرائيل وبنيرانها في القنيطرة رفعهم الحزب إلى مصاف القديسين”، و”يليق بهم” برأيه.
ويضيف الكاتب: “يعرف حزب الله تماما أن الموت في مواجهة الشعب السوري؛”داعشيا” كان أو “نصرة” أو “جيشا حرا” أو مواطنين عزّلا ومدنيين، هو عار على جبينه وعلى جبين المقاومة، وأن الاستشهاد في وجه إسرائيل هو فخر وعزة؛ إخلاقيا وشرعيا ومنطقيا.. بعد عملية شبعا التي قَتل فيها جنودا إسرائيليين وجرح آخرين، يفتخر حزب الله ويصدر “البيان رقم واحد”. كما لو أنه يعتبر كل ما سبق “عارا” لا يستحق بيانا ولا ترقيما”.
نقلنا هذا النص من كاتب لبناني شيعي، لكي نرد هنا على تلك الأصوات التي تريد أن تجعل من قتل حزب الله لجنديين صهيونيين بمثابة حجاب يستر به جرائمه في سوريا بحق شعبها ومقاومتها، ولا داعي هنا لتكرار معزوفة الإرهاب، لأن الكل يعرف أن موقف الحزب وإيران كان كذلك طوال شهور طويلة لم تطلق في سوريا خلالها رصاصة واحدة.
عارُ قتال الشعب السوري والوقوف مع طاغية يقتل شعبه لا يمحوه شيء، اللهم سوى التوبة والإنابة والاعتذار، أما مع استمرار الجرائم، فإن أية عملية لا تغير في الواقع شيئا، حتى لو رحبنا بها لأنها ضد عدو قاتل واحتلال همجي، والسبب أنها تأتي خدمة لمشروع (إيراني) يطارد غالبية الأمة في سوريا والعراق واليمن، فكيف وهي (أي العملية) لا تأتي سوى رد بسيط على مسلسل من الجرائم التي يحول هدف الحفاظ على بشار الأسد دون الرد عليها؟!
إيران ورطت الأمة في صراع بائس، وهي تفسد أجواء المنطقة وتدمر التعايش فيها، وتضع الحبَّ صافيا في طاحونة الصهاينة، فهل يمكن أن تعود إلى رشدها قريبا؟ نأمل ذلك.