فلسطين التاريخ واسـرائيل الجغرافيا
لا يحتاج الطالب العربي الى مزيد من الارباك الفكري والمعرفي وسط سيلان مهول من المعلومات غير الخاضعة للتحكيم العلمي وافكار متطرفة تأتي على شكل فتاوى دينية تضع الاسلام المعتدل في اصعب مواجهة فكرية منذ فجر التاريخ , ودون شك فإن الاختلال المعرفي يفتت منهج العقل ويجعله قابلا للسيولة الفكرية ومنبسطا للبناء داخله لكل راغب في تشويه العقل .
في درس التاريخ ومناهجه يقرأ الطالب عن فلسطين واغتصابها وعن البطولات الأردنية لنصرة الشعب الشقيق وعن قداسة القدس ومقدساتها ويقرأ عن الخلافة الراشدة وسلوك الخلفاء في النزاهة واحترام حقوق البلاد والعباد , ويصدمه الاطلس الجغرافي المقرر من وزارة التربية حين يكتشف عدم وجود اسم فلسطين على الخرائط العربية المقررة في المناهج .
الصدمة المعرفية هي الفسحة التي ينفذ منها كل راغب بتشويه العقل والاستثمار في حشو الدماغ , وهناك من يعمل على توسيع هذه الفجوة ويستثمر في مساحة الفراغ الحاصلة الآن بين كتاب التاريخ وأطلس الجغرافيا الذي ينكر وجود فلسطين على خرائطه فيما تزخر كتب التاريخ بالبطولة والتعبئة لتحرير فلسطين .
نحن امام مراجعة للمناهج لتطوير الاداء المعرفي للطلبة والاهم تطوير الفهم الوطني وازالة الاختلال في اذهان الجيل الجديد , واستمرار هذه الفجوة في المعرفة والتربية الوطنية ستنتج جيلا مشوها قابل للانزلاق وقابل اكثر لمبدأ التشويه , فالمعرفة بداية تكوين الوعي وتشكيل هذا الوعي الزائف اول الخطر واول الاختلال فكل علماء التربية يقولون عن خطورة التكوين في المراحل الاساسية .
اطلس الجغرافيا يقلب كل المفاهيم التي يتربى عليها اطفالنا وشبابنا في البيوت والمجالس ويقلب اكثر كل ما يرونه على شاشات الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي , فنحن مجتمع على تماس مع فلسطين بل هي قضية محلية فكيف نبني التاريخ على اساس جغرافي مزور ومهزوز , وكيف سنقلب قناعة طفل رضع وجود فلسطين مع حليب الامهات .
الحرب على الارهاب ليست حربا ضد تنظيم وعصابة فقط بل ضد كل اختلال معرفي والارهاب الاخطر هو السرطان الذي ينخر جسد الامة المتمثل في دولة الكيان الصهيوني الغاصب , فكيف سنقنع جيلا بجدارة حربنا على الارهاب اذا لم يكن اول ارهاب مستهدف هو الارهاب الصهيوني الذي انتج بوجوده كل اشكال الارهاب الفكرية والدينية , فكل عصابات الارهاب تقتات على معركتنا مع الصهيونية وتتسلل الى وعي شبابنا بحربها المقدسة ضد الوجود الصهيوني .
نحترم جهد وزير التربية والتعليم وجهد الوزارة المخلص في اعادة قراءة المناهج وتطويرها واسترداد هيبة التعليم , وبقاء هذا الاختلال لن يسعفهم في جهدهم وعليهم اعادة الاعتبار للجغرافيا والتاريخ معا بنفس القوة التي نبحث فيها عن اعادة الاعتبار للثانوية وشهادتها , فشهادة الثانوية على اهميتها ليست اغلى من فلسطين الغائبة عن اطلس التربية .
مواجهة الارهاب والتطرف تبدأ من التعليم والتربية وازالة كل اشكال التشويه المعرفي والفكري عن الدين الحنيف اولا وعن المناهج وعن كل اشكال تكوين وتشكيل الوعي للجيل الجديد الذي يستقبل كل ساعة الاف المعلومات واذا لم يمتلك مهارة وثقافة غربلة المعلومات فلن يصمد امام الارهاب والتطرف وامام حالة الضياع والعبثية .