المخيمات قلب المعاناة وحياة البؤس
هوا الأردن - جمال ايوب
السؤال المشروع لم يكن يمتلك الفلسطيني الحيلة أو الوسيلة عندما أقدمت العصابات الصهيونية المنظمّة على تهجير أصحاب الأرض الحقيقتين خارج وطنهم نتيجة المجازر الوحشية التي ارتكبتها لترويع المواطنين عشية النكبة وما بعدها الغرض منها تفريغ أكبر عدد ممكن من أهالي المدن والقرى الفلسطينية لإحداث خلل ديمغرافي استراتيجي لصالح استيعاب أفواج المستعمرين الجدد القادمين من كافة أصقاع الأرض ،غير أن مكوّن أصيل أثر البقاء متمسكاً بأرضه بالرغم من تعرض حياته للخطر الجسيم على أيدي هذه العصابات ، كما فرضت عوامل الجغرافيا الوجهة التي ذهب إليها جموع اللاجئين القريبة من بلادهم على أمل أن لا يطول الغياب القسري والعودة السريعة إليها وبالتالي توّزعوا باتجاهات عديدة ، الأردن استقبل العدد الأكبر ثم سوريا ، أما المدن والقرى الشمالية المحاذية للحدود اللبنانية قصدوا لبنان هؤلاء كان نصيبهم الحرمان من كل شيء له علاقة بأبسط مقومات الحياة ، توّجت بارتكاب مجازر مخيم تل الزعتر ، ومخيمي صبرا وشاتيلا إثر اجتياح جيش الاحتلال الصهيوني للعاصمة اللبنانية بيروت ، ولازالت سياسة التمييز تمارس بحق سكان المخيمات بأوجهٍ متعدّدة تحت ذرائع التوّطين وغيرها من الحسابات خشية المساس بالتوازن الطائفي على حد زعمهم بالرغم من لتأكيد المستمّر بأن اللاجئين هم ضيوف مؤقتين بانتظار عودتهم ولن يقبلوا عن وطنهم الأصلي بديلا ، القسم الاخر من سكان منطقة الجنوب الفلسطيني غادر إلى قطاع غّزة الذي كان يخضع للإدارة المصرية ، وبضع الأف إلى العراق اصطحبهم الجيش العراقي وهم غير مسجلين لدى وكالة الغوث الدولية بسبب رفض الحكومة العراقية أنذاك حيث توّلت شؤونهم وزارة الشؤون الاجتماعية بنفسها ، الأمر الذي حوّل حياتهم إلى جحيم لايطاق نتيجة الأعمال الانتقامية والتشريد بعد الغزو الأمريكي للعراق على أيدي المليشيات الطائفية ومنتسبي أجهزة الأمن الأخرى حيث لم يتبقّى منهم سوى القلّة الذين لاحول لهم ولاقوة وانقطعت بهم السبل ينتظرون المصير المجهول ، أيضاً هناك التهجير الداخلي في الضفة الغربية التي تحتوي على مخيمات عديدة في كافة المحافظات ما زالت شواهدها قائمة حتى الأن تجسّد المعاناة الفلسطينية بكل أشكالها الإنسانية والاقتصادية و الاجتماعية الناجمة عن أثار الجريمة المستمرّة بانتظار العودة إلى أرض الأباء والأجداد طال الزمن أم قصر.
إن الرواية الفلسطينية لم تطوى فصولها عند حدود النكبة حسب ، بل كانت ضحية التواطؤ الدولي مرتين الأولى حين وقع الظلم التاريخي على الشعب الفلسطيني بقرار أمميٍ جائر، والثانية تجاهل تنفيذ القرارات الصادرة عنه ذات الصلة بالقضية الفلسطينية في مقدمتها قرار التقسيم رقم 181 الذي لم يعد يذكره أحد مع أن له القيمة القانونية الأهم ، وأيضاً قرار 194 الخاص بحّق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم التي شردّوا منها ، ماشجّع حكومات الاحتلال المتعاقبة على التغوّل بتنفيذ مخططاتها العدوانية التوسعية حيث تجلّت ذروتها في عدوان الخامس من حزيران عام 1967م واحتلال أراضٍ جديدة على الجبهات المصرية والسورية والأردنية الأمر الذي أسفر عنه تدفق أعداد كبيرة من النازحين بعد لجوء النكبة حيث أنشأت لهم تلك الدول مخيمات إيواء برعاية وكالة الأونروا ، إضافة إلى المخيمات التي أعقبت الكارثة عام 1948 ، فيما بعد تم بناء وحدات سكنية متلاصقة عباره عن غرفة واحدة منحت لكل أسرة ، بالرغم من المأساة الإنسانية التي طالت الشعب الفلسطيني إلا أن هذه المخيمات شكلت وقود الثورة الفلسطينية المعاصرة إنطلاقاً من قلب المعاناة وحياة البؤس إذ تحمّل جيل النكبة المسؤولية التاريخية على كاهله والتقاط اللحظة المناسبة لاسترداد حقوقه المسلوبة وإعادة قضيته العادلة على الخارطة الدولية . لقد مرّت جماهيرالمخيمات المنتشرة في الداخل وأماكن اللجوء بمنعطفات هامة بعد انطلاقة الثورة الفلسطينية من حيث الإستهداف المباشر وعدوان قوات الإحتلال من جهة ، إضافة إلى غلوّ الأنظمة الرسمية العربية من جهةٍ أخرى ، بعد أن استحوذت على عقول وأمال وطموحات الجماهير العربية بينما شكّلت المخيمات البؤر الحيوية والحاضنة الأمينة للثورة والرافد الأساسي لديمومتها ، ماجعلها تخرج عن نطاق الوصاية والتبعية وفشل محاولات تدجينها خدمة لأغراض الأنظمة في صراعاتها مع الأخرين أو توظيفها كورقة ابتزاز لتحسين شروطها التفاوضية على المسرح الدولي ، لكنّها اليوم تواجه تحديات وجودية من نوع أخر لم يسبق لها مثيل بعد المتغيرات التي تشهدها المنطقة العربية تجيز السؤال المشروع لماذا يتمّ استهداف المخيمات الفلسطينية وتدميرها بشكل منهجي ودفع سكانها للخروج منها بحثاً عن مكان يقيهم وعوائلهم شرّ الهلاك ولم يحظوا به ؟ وإن حصل في الدول المجاورة تكون الموانع والإذلال الذي لايتحمله عقل بشري بانتظارهم ، كأنما تضيق الأرض العربية بهم ولم يتبقى أمامهم سوى البحث عن ملاذٍ خارجها لمن له القدرة على دفع تكاليف المغامرة السندبادية غير الأمنة لقراصنة التهجير الذين لا يكترثون لمصير ضحاياهم بإلقائهم على الشواطىء القريبة ، مع أن الموقف الرسمي الفلسطيني والفصائلي والمجتمعي المنضوي في إطار منظمة التحرير أعلن بوضوح تام لجميع الجهات المتصارعة انه ليس طرفاً بما يجري من تحولات باعتبار ذلك شأناً داخلياً للدول تقرّره شعوبها الذي سيكون محط احترام وتقدير للفلسطينيين حيثما تواجدوا . ثمة ارتياب كبير حول الجهات الخفية التي لها مصلحة بتهجير الفلسطينيين مرة أخرى وتدمير بيوتهم المؤقتة التي كلفتهم شقاء العمر ، إلى بلادٍ لاتربطهم فيها أي جذور مشتركة في مقدمة هؤلاء تقاعس الأمم المتحدة المسؤولة عن شؤون اللاجئين التي أصابها الصمم تجاه ممارسات الإحتلال وسياسة العدوان والتدمير وتدنيس المقدسات والتطهير العرقي ، وما حصل للاجئي العراق من قتل وتشريد فضلاً عمّا يحصل الآن للمخيمات في سوريا ، المخيمات الفلسطينية تفتح الجراح الفلسطينية ، وما حدث ويحدث وسيحدث لمخيم اليرموك في دمشق صورة كارثية لكيفية استغلال الفلسطيني في معارك لا صلة له من قريب أو بعيد بالقضية الوطنية ، الجريمة اليومية التي تصيب المخيم تؤكد أنها أتت من قوى دخلت خلسة بسلاحها لداخل المخيم لفرض معركة عسكرية مع النظام السوري ، تكون النتيجة مجزرة بشرية وتدمير كل بيت داخل المخيم ، الجريمة الأخيرة بدأتها عصابات مسلحة ، وهدفها معلوم جدا إدخال فلسطين عنوة في لعبة الصراع الداخلي السوري ، رغم أن القوى الفلسطينية قررت ومنذ البداية أن تكون بمنأى عن الأزمة السورية ، مع وجود اختراقات لصالح هذا الطرف أو ذاك ، ولكن الكتلة الرئيسية رفضت أن تكون جزءا من الأزمة ، هذه الخريطة السياسية للواقع الفلسطيني في سوريا وخاصة مخيم اليرموك ، بذلت محاولات عدة للزج بالمسألة الفلسطينية لم تنجح ، ولكن مريدوها لم يتوقفوا.
وكذا المجتمع الدولي الذي أصبح سماته العامة الكيل بألف مكيال وفقاً لمصالحه الحيوية حيث يظهر ردود أفعال باهتة لا طعم لها من باب رفع العتب ليس إلا ، إن الجامعة العربية الغائبة عن الوعي يبدو أنها فقدت وظيفتها تجاه الدفاع عن قضايا شعوبها ولم تعد قادرة على شيء سوى مايملى عليها في توفير الغطاء لعدوان الدول الكبرى على أبناء جلدتهم المنضوين تحت لوائها ، إذا كانت هذه الأطراف مجتمعةً تعتقد أن حل قضية اللاجئين الفلسطينيين ممكناً بهذه الطريقة من خلال التوطين ومنح الجنسيات المختلفة بديلاً للهوية الوطنية الفلسطينية ، سلفاً نقول إن الردّ سيأتي من أي طفلٍ فلسطيني ولد أم لم يولد بعد ، بأنكم واهمون لأن حقوق الشعوب لا تقاس بثمن وغير قابلة للعبث بها كما لا يملك أحداً حقّ التصرف بشأنها مهما كانت صفاته ، يبقى القول أن حماية الشعب الفلسطيني وتوفير أمنه أينما تواجد هي مسؤولية وطنية جماعية بامتياز ينبغي وضعها على سلم الأهتمامات الرسمية والشعبية وهذا يتطلب أولا وأخيراً وحدة الموقف ووحدة الصف أزاء هذه الأوضاع العصيبة الخطيرة على مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني برمتّه ..