هدأت العاصفة فغردت الطيور
منذ سنة ونيف تقريبا انخفض منسوب الحديث عن الفساد وصناعه حتى صار يبدو وكأنه ضرب من الماضي أو بالأحرى كأنه لم يكن. وقد لمسنا وعشنا واكتوينا بنار البرامج الوهمية والخطط المثلومة والتخطيط الخبيث المؤدي لإفقار الوطن وملئ خزائن من كانوا بموقع الثقة اللامحدودة. واختفى أبطال الفساد في خضم الحديث عن الفساد واهتمام الإعلام به إذ لم نسمع خلال الدفق الإعلامي الضخم آنذاك من الفاسدين أي محاولة تبرير أو توضيح من قبيل تبرئة أنفسهم مما كان حديث البلد وحديث الساعة والمتعلق بتحميلهم مسؤولية الأوضاع الإقتصادية المتردية من دين آخذ بالإرتفاع رغم السياسات الضاغطة على الجيوب وعجز بالموازنة لحد لم تعد الأخيرة قادرة على تغطية أساسيات وثوابت الدولة والتزاماتها تجاه المواطنين.
لقد التزموا الصمت ولم يحاولوا الدفاع عن أنفسهم لأنهم يعلمون أنهم أجسام طافية على سطح بحر هائج تتلاطم أمواجه ولا يعرفون مستقرهم بعد الهدوء. فمنهم من غادر الأردن ليتوارى عن أنظار الإعلام والمجتمع ومنهم من ضمن لعلاقاته أن تكفل له الخلاص بحال اقترب القانون منه.
قيل في الفساد ما لم يقله مالك في الخمر. لقد فضحوا وتمت تعريتهم بعد أن عروا أنفسهم من الدين والأخلاق والضمائر مستبدلين بها الإنحطاط والخسة والخيانة خيانة الوطن الذي يتلقى اللطمة بعد الأخرى وكأنه مشاع لا ضابط له تأكل منه الهائمة وتترك قاذوراتها بحثا عن موطن آخر بعد ان تزودت من خيره وملأت بطونها.
لقد انكشفت سياساتهم التي أفقرت البلاد والعباد لكنهم وللأسف بمنأى عن المساءلة والمحاسبة. وبعد هذا الصمت، نراهم يعودوا من خلال مواقع التواصل لتلميع صورهم ونفض غبار اللصوصية والخزي ظنا منهم وأملا أن يتقبلهم الشارع المكلوم من خطاياهم.
ويأتي تنظيرهم وطرح أفكارهم الإقتصادية المسمومة في ظل اقتراب رحيل الحكومة الحالية التي أدت رسالتها وصانت الأمانة وحسنت المثالب الإقتصادية وأراحت المواطنين وخففت من أعبائهم وضبطت الأسعار خوفا منها على المواطن ولم تحنث بقسمها فكرست الفقر وعززت الحاجة ومارست نهج التوريث التقليدي والمحسوبية في مجالات ومواقع لا يتسع المجال لذكرها.
فحكومة فتحت الباب على مصراعيه للاجئين وجعلت من أبناء الوطن مستجدين في صالات البنوك وخفضت القيمة الشرائية للدينار ورفعت الضرائب وأعوزت المواطن وتلاعبت بالتعيينات الرفيعة وخصت نفسها بالمنافع فهي حكومة يجب أن تتكرر وتتمدد من خلال أولئك الذين يطمعون لاستعادة امجادهم من خلال إيهامهم للبسطاء بأنهم أهل للحلول مكان أصحاب الولاية الحاليين. فهم يحاولوا من خلال تصريحاتهم وردودهم إيصال رسالة مفادها "نحن هنا جاهزون" لمواصلة ما شرعت به الحكومة الحالية، جاهزون لتطوير الإرث الذي ستخلفه الحكومة الحالية وعلى أرض صلبة تتمثل بعدم ثبوت الفساد قضائيا.
فمن الخاسر بين هذا وذاك؟؟ أليس هو المواطن نواة الوطن؟؟ فعندما تذبل هذه النواة فلم يعد هناك معنى للوطن بل ولا وجود له على الصعيد المعنوي بل سيكون صورة من غير روح وجسدا تعطلت دورته الدموية عن العمل وشعارh مفرغh من المعنى تذروه الرياح أينما شاءت ولا حول ولا قوة له بتحديد اتجاهه.
نقول للمغردين الجدد، مهما لمعتم وصقلتم وتوددتم ومهما تقربتم بتزلفكم من النظام ومهما ارتجلتم من المدح والثناء عليه ومهما عبرتم عن حبكم الوهمي للوطن والمواطن ومهما تظاهرتم بولائكم وتشدقتم بانتمائكم، فلن نصدقكم ولن نأمن جانبكم ولن نثق بكم لأنكم مجربون والمجرب لا يجرب. لو كنتم صادقين كما تدعون، كان الأولى بكم أن تصدقوا عندما كنتم بموقع المسؤولية وفي أرقى مراتبها إذ أقسمتم على خدمة الوطن لكنكم خذلتموه وأكلتم خيره وأقسمتم على خدمة المواطن لكنكم أنزلتموه إلى ما دون خط الفقر وأنتم تنظرون وتتبهلوون.
ألم يكفكم ما سلبتموه وادخرتموه؟؟ أم أنكم ترون في النواة بعض نظارة فتريدون تجفيفها؟؟ ألم تنتهي أجنداتكم المدفوعة بالحقد والكره؟؟ هل ما زال لديكم ما تريدون الإنقضاض عليه أملا بالمكافأة؟؟
وللقائمين على إدارة الدولة نقول عليكم باحترام عقل المواطن والإبتعاد عن نهج الإستهتار والتطنيش والتهميش لأن عنصر الوعي لدى المواطن ذو منسوب عالٍ ولم تعد تنطلي عليه الحيل والأساليب التقليدية المهترئة.
يشهد الله أنني أقول هذا ناصحا مخلصا للوطن حتى لا يأتي من يعكر صفونا ثانية ويخلخل استقرارنا، فهم والله جسم غريب لا مكان له بين الغيارى. ها هم يغردون بعد هدوء العاصفة والفرق بيننا أننا نغرد بحب الأردن بكل الظروف والأحوال لكنهم عندما تهب العاصفة لا تراهم ولا تسمع لهم صوتا بل يبتعدوا عن الوطن لأنه لا يهمهم بشيء.
ولنتذكر جميعا أن العدل هو اساس الحكم، فبدونه لن تستقيم الأمور ولن تستقر الأحوال إلا إذا تحقق العدل والمساواة. ولنا مثال بالدول الديموقراطية المستقرة القائمة على احترام الحقوق والعدل والإنصاف، فلا تجد بين حكوماتها وبين الشعب أي نوع من المناكفة أو الإحتجاج إلا بقدر ما يكفل الحقوق والواجبات في مسيرة رفعة الوطن والإعلاء من شأنه.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com