للاستقلال هذه المرة طعم مختلف
في رصيد الدولة اليوم 69 عاما من الاستقرار لكن على السؤال الذي يطرح كلما بلغ عنق الزجاجة « كيف نجونا» أن يتبدل بأخر أكثر عمقا , « كيف تحولت المخاطر الى فرص»؟
في ظل إختلاط المفاهيم وضياع الهويات الجامعة وتحول الإختلاف الى إقتتال تتعاظم أهمية المبادىء التي يعيد الأردن طرحها كلما دخلت أمتنا نفقا جديدا من الظلام , و في هذه المرحلة بالذات , يزداد الظمأ الى العروبة ومبادىء العدالة والحريات والحقوق والوحدة , وهي التي أصبحت أو كادت أثرا بعد عين.
سرعان ما تحول ربيع العرب الى خريف دموي و المنطقة بأسرها علقت في خط النار وهو الأكثر قسوة في تاريخها حيث تبدلت المفاهيم وضربت الثقة في عصبها الرئيس.
الأردن الذي يحتفي اليوم ب 69 عاما من الاستقلال , يستذكر المنجزات لكنه يتحرى في ذات الوقت تحديات المرحلة ويتجدث عن المستقبل في الوقت الذي بات فيه مجرد ذكر هذا المستقبل تجديفاً وخرافة بالنسبة لشعوب لا يعرف لبعضها ماذا قد يحصل غدا.
شعوب كثيرة في المنطقة لا تجد ترف الوقت للحديث عن الاقتصاد ولا عن الخطط والبرامج المستقبلية فالبنسبة لها فقد علقت في حاضر لا ضوء فيه يتيح النظر الى الغد , بينما يمنحنا الاستقرار والأمن هذا النوع من الترف , هذا هو الاستثناء الذي لا يقدر بثروة.
في المنتدى الاقتصادي , كم كان مثيرا أن تستمع للأردن وهو يروج للاستثمار لإنعاش اقتصاداتها، ويتحدث عن مستقبل أجياله المقبلة ويخطط لحياتها وفرص سيهيئها لها وكم كان مؤلما أن تستمع لقيادات في دول أهلكتها الصراعات , يتحدثون عن أمل في تحقيق الاستقرار والأمن.
تحديات المملكة اقتصادية , بينما تحديات دول الجوار والمنطقة برمتها أمنية سياسية , نحن ننصرف لتحقيق الاستقلال الاقتصادي , وسوانا ينصرف لتحقيق وحدة الوطن والأرض والإنسان الممزق.
نحن ننصرف الى إستكمال الاصلاحات التي تفضي الى تحسين مستوى معيشة الانسان الأردني وتعزيز مبادىء الحرية الاقتصادية وحرية الاستثمار والعمل والابداع والابتكار وتكافؤ الفرص في مناخ تسود فيه روح العدالة والمساواة , بتجاوز العراقيل والمعيقات ,
والأخذ بأسباب العمل والانتاج بدلا من الأخذ بأسباب التراجع والتأجيل وسوانا ينصرف الى بسط الأمن الذي غاب وجمع الإنسان الذي مزقته الحروب وسرقت أحلامه آلة الحرب وفرقته النزاعات لاجئا هنا أو طريدا هناك.
لماذا للاستقلال هذه المرة طعم مختلف , ليس لأنه فحسب مؤشر على الاستقرار ’ والديمومة , بل لأن الأردن نجا من إعصار أهلك دولا كثيرة وإستنزف مقدرات كثيرة , وأعاق خطوات كثيرة وكاد أن يكون مهلكا , إختلطت فيه المفاهيم وسادت فيه الظنون والشكوك.
هل انتهينا ؟, كلا لم ننته بعد , لكن التعافي في طريقه الينا , في دولة في رصيدها 69 عاما من الاستقلال يجدر بأهلها أن ينظرون بثقة الى ما تحقق وبأمل نحو الأفضل.
في الأردن يجد الناس متسعا آمنا من الأمكنة والأزمنة ليحتفلوا بإستقلال بلادهم ويطوفون بالأعلام الشوارع والميادين , لكن في بلاد مزقتها الحروب والقلاقل ليس ثمة ميدان ولا حتى ساعة لالتقاط الأنفاس.