لماذا لم تندلع لغاية الآن انتفاضة فلسطينية
تتواصل محاولات المستوطنين الصهاينة اقتحام باحة المسجد الأقصى ، بالإضافة إلى مواصلة الاحتلال الصهيوني سياسة التهويد والاستيطان والتطهير العرقي ، وغيرها من الممارسات التي سهّلتها اتفاقية أوسلو . واصل الصهاينة استفزازاتهم ، للمدنيين الآمنين ، وسط هبة شعبية عارمة ، هدفها التصدي لعمليات جنود الاحتلال ، الهادفة لتهويد المدينة المقدسة . واقع الحال ، أن هذه المواجهات ، التي اتخذت أشكالاً تصاعدية هذه الأيام ، لم تكن وليدة لحظة غضب في شعب فلسطين ، بل كانت فعلاً نضالياً مستمراً ، منذ بدأ الاحتلال الصهيوني،
وبالرغم من إرادة الصمود التي يتحلى بها الفلسطينيون ، وقدرتهم على مواجهة الاحتلال ومستوطنيه ، إلا أن الظروف الحالية تتقاطع في كثير من الجوانب مع تلك الظروف التي سبقت اندلاع الانتفاضتَين الأولى والثانية ، لذلك تتبادر إلى الأذهان أسئلة كثيرة .لماذا لم تندلع لغاية الآن انتفاضة فلسطينية ثالثة والحق أنه سؤال بالغ الأهمية ، ومن حق الناس أن يطرحوه ,
العوامل الداخلية والخارجية الغائبة اليوم ؟ يمكن إدراج الاسباب المعطّلة الآتية ,
موضوع القدس وأحالته إلى مفاوضات الحل النهائي ، ما أدى إلى تمادي الاحتلال بالتهويد والاستيطان خلال العملية السياسية التفاوضية وبعدها ، حيث استغلت قيادة الاحتلال الصهيوني المفاوضات لتعبث جغرافيا بالمدينة المقدسة ، من خلال التهويد وتغيير طابعها العمراني العربي والإسلامي , والتوسع الاستيطاني في كل الضفة ..
الانقسام الفلسطيني المقيت والمستفحل بالحالة الفلسطينية منذ 9 سنوات ، وفشل جميع محاولات استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية ، بسبب تعنّت طرفي الصراع فتح و حماس ، والإصرار على تغليب المصلحة الفردية على المصلحة الوطنية ، بالرغم من الوصول وتوقيع عدة اتفاقيات ، ذلك عطّل أكثر من مرة تخصيب عوامل قيام انتفاضة فلسطينية ثالثة ..
إن ما ينبغي ألا يغفله الكثيرون هو أن جهود الحيلولة دون اندلاع انتفاضة جديدة في الضفة الغربية ليست من النوع الهامشي أو البسيط ، بل هي جهود مضنية تشارك فيها عدة أطرف مهمة ، في مقدمتها السلطة الفلسطينية ، إلى جانب سلطات الاحتلال بكل أجهزتها الأمنية والاستخبارية ، وهناك أيضا الدعم الأميركي والغربي أيضا ، بل إننا إزاء جهود تحظى بدعم عدد من الدول العربية التي تخشى هذا السيناريو وتعمل على منعه بكل وسيلة ممكنة ، وهي في المحصلة تلتقي على عملية إعادة تشكيل لوعي الجماهير كي لا تفكر في الاتجاه المشار إليه مهما حصل من تطورات ..
الصراعات العربية الداخلية والخارجية ، وإخراج القضية الفلسطينية من دائرة الأولوية العربية ، فقد فشل العرب بالخروج بقرار جدّي واحد تجاه القضية الفلسطينية خلال ثلاثة حروب على قطاع غزة ، وعشرات الاعتداءات على الشعب الفلسطيني ، في وقت نجحوا في إعلان الحرب على دولة عربية اليمن بأقل من 24 ساعة. كذلك الحروب التي حلّت بعدد من دول الجوار ، كـسورية ، حيث ساهمت هذه الدولة العربية سابقاً في دعم الانتفاضتين الفلسطينيتين على المستويين الشعبي والرسمي ..
فشل المجتمع الدولي في محاسبة الكيان الصهيوني على جرائمه السابقة ، وضعف الهيئات الدولية المسؤولية في حماية شعب فلسطين ، خصوصاً أن ما يحدث في القدس وغزة وكل فلسطين هو جريمة حرب يجب على المجتمع الدولي ومنظماته القانونية والإنسانية أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاهها ، ومحاسبة الكيان الصهيوني على ممارساته ضد المدنيين الفلسطينيين من النساء والأطفال ، إضافة إلى سياسة التهويد والاستيطان ، وممارسة كل أشكال التمييز ، لاسيما جدار الفصل العنصري ..
يبقى القول إن الانتفاضة يمكن أن تكون شعبية وليست مسلحة ، لكنها ليست كما يراها البعض مجرد مظاهرات موسمية ، بل اشتباك كامل مع الاحتلال وحواجزه ومستوطنيه ، وتحدٍ عملي لكل سياساته وإجراءاته .
أما الأهم ، فهي تحتاج طليعة من أبناء الشعب تفجرها ، وبعد ذلك تلتحم معها البقية بالمشاركة ، أو بمنحها الحاضنة ، أما جماهير الأمة فستمنحها حاضنة أكبر ، وسيكون موقف الأنظمة العربية محرجا وسيضطر إلى الدعم خشية ردود الفعل الداخلية ..
ما يجري اليوم في فلسطين يتطلب وقفة جدية وموحّدة في مواجهة الاحتلال وممارساته ، وتفع .يل عملية نهوض الحركة الجماهيرية الفلسطينية ، ووقف التنسيق الأمني بشكل فوري ، وإعادة الاعتبار إلى العمل الوطني المقاوم ، والتخطيط الجيد لدعم روافع قيام انتفاضة فلسطينية ثالثة ، على قاعدة استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية ، ووضع استراتيجية جهادية وطنية موحّدة ، ببرنامج وطني مقاوم ...