لماذا اعتذر الملك؟!
اعتذار المغرب عن عقد القمة العربية على اراضيه، قرار للملك محمد السادس بطبيعة الحال، وليس لأي مؤسسة اخرى، والكل يعرف ان رأي ملك المغرب في مؤسسة جامعة الدول العربية، ليس جديدا، فأغلب القمم العربية غاب عنها الملك الحالي، ووالده الراحل، تعبيرا عن ادراكهما لقيمة القمة العربية التي يتم عقدها سنويا.
بيان المغرب تحدث بصراحة، عن ان المغرب لا يريد ان يكون مجرد مكان لعقد قمة على شكل احتفالية، ولإلقاء الكلمات، دون انجازات، في ظل مشاكل كثيرة تعصف بالعالم العربي، فالمغرب هنا، يوجه رسالة نقد حادة الى العالم العربي من جهة، والى مؤسسة جامعة الدول العربية، التي فشلت ومعها عواصم العرب، في جعل القمة، مدخلا لعمل مشترك، وهي رسالة الملك الشخصية الى الزعماء العرب.
لقد آن الاوان ان يتم حل جامعة الدول العربية، لصالح العلاقات الثنائية، او التجمعات السياسية - الجغرافية، ونرى بأم اعيننا كيف ان العلاقات الثنائية ايضا تتعرض لظروف سيئة للغاية، كما ان التجمعات السياسية- الجغرافية كما اتحاد المغرب العربي، او الاتحاد العربي الذي كان بين الاردن والعراق ومصر واليمن، لم تنجح تماما في تخطي الازمات، وكأن لعنة جامعة الدول العربية، امتدت الى كل التجمعات.
كنا نتمنى من ملك المغرب ان يطلب من مستشاريه اصدار بيان اوضح، يتم عبره تحديد ابرز المشكلات في العمل العربي المشترك، دون الحرج من اي ردود فعل دبلوماسية سيئة عربيا، اضافة الى تحديد الحلول ووصفات الخروج من هذا المأزق، لكن المغرب اختارت تلميحا الاشارة الى طبيعة المشاكل، ولم تدخل كثيرا في اطار الحلول بشكل معمق، حتى لايرتسم المغرب بصورة الذي ُينّظر على العالم العربي، او يفتي على رأسه.
نقل القمة العربية الى موريتانيا، اكثر مشكلة، من الالغاء المغربي، لان موريتانيا قد لا تتوفر فيها البنى التحتية لهكذا استضافة، ومن الارجح ان تعتذر عنها، هي الاخرى، وتصير من نصيب دولة اخرى، او يتم الغاء القمة العربية هذا العام، وقد شهدنا في سنين سابقة الغاء قمم .
لكننا من جهة اخرى نؤشر على ان القمة العربية هذا العام، مهمة جدا، وكانت محطة محتملة لمواجهات متفجرة ، في ظل اشتداد الصراع في المشرق العربي، بين دول كثيرة، وفي ظل مواجهات سياسية ودينية ومذهبية،
وارتفاع منسوب الحروب المباشرة وغير المباشرة.
هذا يعني ان المغرب من جهة اخرى، فضل ان ينأى بنفسه هذا العام تحديدا عن القمة العربية، التي تأتي في
ظروف سيئة جدا، وغير مسبوقة على صعيد مشاكل المنطقة.
كثرة المواجهات والتحديات لابد ان تدفع اليوم باتجاه شكل جديد للتعاون الاقليمي، بحيث يتم ابداع شكل يضم الدول العربية وايران وتركيا تحديدا، شريطة ان تتخلى ايران وتركيا، عن مشروعيهما في المنطقة، ونحن اليوم بحاجة الى بديل اقليمي عن مؤسسة جامعة الدول العربية، في ظل تغير المعادلات، لكن المشكلة هنا، ان الاطراف الاقليمية المؤهلة للدخول في هكذا تجمع اقليمي اوسع، تعد طرفا في مشاكل المنطقة، فكيف يمكن ان تكون طرفا في الحلول، من حيث المبدأ والعنوان؟!.
علينا ان نلاحظ خلال السنين الاخيرة، ان القمة العربية، لم تعد تؤخذ على محمل الجدية، فكثرة من الزعماء العرب يغيبون، ويرسلون بدلاء، وآخرون يقاطعون كليا، وهناك زعماء يحضرون جلسات الافتتاح ويغادرون، والمؤسف ايضا ان كل بيانات القمم العربية منسوخة عن سابقاتها، ولا تعديل الا في بند او بندين، يخصان ما استجد من ظروف في المنطقة.
هل يمكن لجهة باحثة ان تجري دراسة عن قرارات القمم العربية، ومدى التزام الدول العربية بها، ومنسوب التنفيذ فعليا على ارض الواقع؟!.
الواضح اليوم ان العلاقات العربية العربية تقطعت كليا لصالح علاقات ثنائية هنا او هناك، واغلب العلاقات الثنائية الجيدة، هي بين دول متباعدة، فيما اغلب العلاقات الثنائية بين الدول المتجاورة جغرافيا سيئة للغاية.
اعتذار المغرب عن القمة العربية، فيه رسالة نقد حادة لمؤسسة القمة العربية، وهي رسالة تضرب في عمق هذا الاداء، لكنها ايضا، لا تقدم لنا حلا، ربما لان المغاربة ايضا، يعرفون ان اي حل لن يتم تبنيه من اي عاصمة عربية، في ظل العجز الكلي، عن العمل المشترك، فلماذا يضيع المغاربة وقتهم في اقتراح حلول لا تنفذ؟!.
جامعة الدول العربية، لم تعد مناسبة لهذا الزمن، لاعتبارات كثيرة، والارجح نحن بحاجة الى بناء اقليمي جديد، يراعي التغيرات والمعادلات في كل الخرائط السياسية والجغرافية والاقتصادية والامنية.
حين يعتذر العرش المغربي عن القمة العربية، بما له من وزن تاريخي، فهذا نعي رسمي للعمل العربي المشترك.