النكسة ما زالت آثارها مستمرة
كنت في قاعة امتحان الثانوية العامة في الخامس من حزيران من عام 1967 حين اندلعت شرارة الحرب ، وكان يحذونا الأمل بأن يتحقق الانتصار على عدو لطالما واصل اعتداءاته على الأرض العربية المحيطة به خاصة المناطق الحدودية منها ، لإنهاء الهجمة الصهيونية الشرسة على منطقتنا بأسرها ، المدعومة من دول الاستعمار الغربي ، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، فقد وجه العدو الصهيوني ضربته الاستباقية المفاجئة من خلال سلاحه الجوي المدعوم تسليحاً ولوجستياً ومعلوماتياً من القوى الغربية خاصة بريطانيا وفرنسا وأمريكا وألمانيا الغربية في ذلك الحين حيث وجه ضربته الاستباقية لسلاح الجو المصري في قواعده الجوية فدمر فيها مدارج تلك القواعد وكذلك الطائرات الرابضة فيها على الأرض المصرية ، وكان من نتيجة هذه الضربة الاستباقية إنهاء الفعالية الجوية للعرب وهيمنة سلاح الجو الصهيوني على سماء وأرض المعركة فأخذ يصول ويجول في الأجواء العربية " مصر والأردن وسوريا والعراق " دون رادع ، فأصبحت جيوش هذه الدول مشاة وناقلات ودروع ودبابات ومرابض مدفعية أهدافاً سائغة سهلة الاقتناص لطيران العدو الصهيوني حيث أصبحت في موضع لا تحسد عليه ، فأخذ سلاح الجو الصهيوني يوجه ضرباته المتلاحقة للمواقع العسكرية ، فدمر سلاح الدروع والدبابات ومرابض المدفعية وأفسح المجال لقواته البرية المسنودة من سلاح جوه بالتقدم داخل الأرض العربية فاحتل سيناء المصرية وقطاع غزة الذي كانت إدارته مصرية والضفة الغربية الجزء الغربي من المملكة الأردنية الهاشمية والجولان السوري .. حيث لم تدم المعركة سوى أيام ستة أعلن بعدها وقف الحرب من قبل الأمم المتحدة بموجب القرار رقم 242 وقد أطلق عليها نكسة حزيران ، وانقضى على هذه الحرب 49 سنة وما زال العدوان مستمراً حيث ما زال العدو يحتل أجزاء من الجولان السوري والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية العاصمة الإدارية للضفة الغربية والروحية للأردن إبان وحدة الضفتين وكذلك قطاع غزة ، ولا زال يعيث في تلك المناطق فساداً ويعمل جاهداً لتغيير المعالم فيها لفرض سياسة الأمر الواقع على الأرض.
وقد اعتمد "يوثانت" الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك غونار يارينغ وسيطاً دولياً للأمم المتحدة سنة 1967 لمتابعة تنفيذ ما جاء في القرار رقم 242 الصادر عن مجلس الأمن والذي نصه :
" إن مجلس الأمن، يعرب عن قلقه المستمر إزاء الأوضاع الخطيرة في الشرق الأوسط.
ويؤكد أنه لا يجوز اكتساب الأراضي بالحرب، كما يؤكد على الحاجة للعمل من أجل سلام عادل ودائم يسمح لكل دولة في المنطقة بالعيش بأمن.ويؤكد كذلك أن كل الدول الأعضاء قد التزمت, بموافقتها على ميثاق الأمم المتحدة، بالعمل وفق المادة الثانية من الميثاق.
1ـ يؤكد أن تنفيذ مبادئ الميثاق يتطلب إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط يجب أن يشمل تطبيق المبادئ التالية :
أ ـ انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من أراضٍ" وفق النص الإنجليزي الذي صيغ به القرار وأحدث خلافاً حول الأراضي التي على العدو الانسحاب منها " احتُلت في النزاع الأخير.
ب ـ إنهاء كل حالات الحرب والمطالب المتعلقة بها, واحترام السيادة ووحدة الأراضي والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة والاعتراف بها، بالإضافة إلى حقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها دون تهديدات او استخدام القوة.
2ـ ويؤكد على ضرورة:
أ ـ ضمان حرية الملاحة عبر الممرات المائية الدولية في المنطقة.
ب ـ التوصل إلى تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.
ج ـ ضمان عدم انتهاك حرمة الأراضي والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة عن طريق اتخاذ إجراءات من بينها إقامة مناطق منزوعة السلاح.
3 ـ يطلب من السكرتير العام تعيين ممثل خاص للتوجه إلى الشرق الأوسط من أجل إقامة اتصالات بالدول المعنية ومواصلة هذه الاتصالات من أجل دعم الجهود الرامية ألى تحقيق تسوية سلمية ومقبولة وفق نصوص ومبادئ هذا القرار.
4ـ يطلب من السكرتير العام تقديم تقرير إلى مجلس الأمن بصدد سير مهمة ممثله الخاص في أقرب وقت ممكن."
وكانت الصعوبة الأولى التي واجهها يارينغ في مهمته هي في تفسير مدى الانسحاب من «الأراضي المحتلة» بالنص الفرنسي و«أراض محتلة» بالنص الانجليزي، وهما لغتا العمل الرسميتان. ولذلك وجه الأمين العام رسائل عاجلة إلى حكومات الأردن وسورية واسرائيل والجمهورية العربية المتحدة (مصر) يعرب فيها عن « الأمل الصادق والثقة الأكيدة في أن تقدم له العون والمساندة لكي يتمكن من تنفيذ المهمة الموكلة إليه تنفيذاً فعالاً». والتي أصبحت حول حجم الاحتلال الاسرائيلي في اراضي الدول العربية بدل حجم الاحتلال للأراضي الفلسطينية.
لم يكن لدى الحكومات العربية الإعداد ولا عند الحكومة الاسرائيلية الاستعداد لتسهيل مهمة الوسيط الدولي. .وكان المبعوث الدولي يارنغ قد ظهرت عليه بادرة امتعاض حين اقتحم عليه أحد أعضاء وفد عربي مجلسه مؤنباً له قائلاً له أليس من العيب عدم التنفيذ السريع للقرار! .. فأجابه وبعد تردد وبكل تهذيب: "ربما العيب أيضاً كان في السهولة التي تم فيها الاحتلال". .
وكان للنكسة أثرها الكبير في الإحباط الذي أصاب العقل العربي وكانت التبريرات أن أسباب حدوث النكسة يعود لفشل دفاعي مريع نتج عن إدارة فوضوية تهتم بالمظاهر والأبواق الإعلامية الموجهة لصالحها فجاءت قرارات متضاربة ما بين القيادتين السياسية والعسكرية وقد أدى ذلك إلى اتخاذ قرارات تتسم بالفوضوية وسوء الإدارة إلى جانب الافتقار للرؤية العلمية، والانفعال والخضوع لقانون الفعل ورد الفعل، وغياب التخطيط الاستراتيجي، وعدم الوعي بطبيعة التحالفات الدولية،وغياب المساءلة والمحاسبة ، وتغييب المشاركة في صنع القرار والأهم أن العنصر الحقيقي في حسم الصراع، الذي هو الإنسان، كان دوره مغيباً تماماً وقد برهنت نتائج حرب حزيران بشكل لا لبس فيه أنه لن يعاد للأوطان اعتبارها إلا إذا أعيد الاعتبار للإنسان أولاً وأخيراً.