خطة الأمير الحسن بن طلال لحل قضايا بلاد الشام
كتب الأمير الحسن بن طلال مؤخرا هذا المقال عما يجري غرب آسيا داعيا إلى إقامة مجلس اقتصادي واجتماعي يغطي سوريا والعراق والمناطق المحاذية للأردن مثل لبنان وتركيا ، وتاليا نص المقال :
إن التحدّي الأكبر الذي يواجه مسألة الحفاظ على السلام والازدهار في غرب آسيا، هو غلبة النمط الثنائي الذاتي في العلاقة ما بين الدول، التي تتكون منها المنطقة، خلافًا للنمط الإقليمي الأكثر موضوعيةً.
تمزّق هذه المنطقة، التي تضم شطرًا كبيرًا من العالم العربي والإسلامي، الخلافات المذهبية بين الذين يدّعون الإيمان، ويصرّون على اعتبار الآخرين غير مؤمنين، وأولئك الذين يسوّغون بدورهم الغزو والقمع. كما أنها أكثر المناطق فقرًا في العالم، وتنشب فيها معظم النزاعات المسلحة تقريبًا، ومنها يخرج أغلب مهجّري العالم عمليًا. ومن الصعب على المنطقة أن تتعاون، بشكل فعّال، في حل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية أو أن تدبّر أمر أمنها انطلاقًا من المقاربة المستندة إلى الثنائيات.
فالخطاب المتحكم في الحوار بين الدول، والوحيد في معظم الأحيان، يمثّل جانبًا من الانقسام الجغرافي- السياسي أو الطائفي الذي تتماشى معه؛ الأمر الذي يجعل من شبه المستحيل معالجة الهموم الاجتماعية المشتركة، مثل الجموع الغفيرة من اللاجئين، أو معالجة ندرة المصادر مثل المياه.
إن الهيكل الإقليمي القائم، الذي يمكنه معالجة قضية الأمن على كافة المستويات، ضعيف، وهو أسير النظام الثنائي السائد. فنشر المعرفة، وتقاسم المصادر والخبرات المتنوعة كلها مستبعدة بسبب غياب التواصل الحضاري الذي لا تقيّده الانقسامات، وما يترتب على ذلك من ضعف الاستقلال الأكاديمي.
لقد آن أوان التخلص من دوامة الدمار الخانقة هذه. ويتطلب القيام بذلك نوعًا من التفكير العقلاني بشأن التحديات المشتركة التي تواجه المجتمع في غرب آسيا، وخلق مجموعة جديدة من المؤسسات لإدارتها.
نسمع كثيرًا أن التنمية والازدهار يسودان بعد تحقيق السلام، وأن الفشل في حل النزاعات المستمرة منذ أجيال يحكم علينا بدوام الأزمة وعدم اليقين. لكن الحرب السورية وضحاياها، الذين ناهزوا النصف مليون، ولدت مجموعةً جديدةً من التحديات المشتركة لبقائنا، وغيرت كل شيء. وقد تحمّلت تركيا، ولبنان، والأردن، مجتمعةً عبء أكثر من 2.5 مليون لاجئ.
إن تكنولوجيا القتل التي تمطر مواد كيماويةً على الأطفال الأبرياء، أو تقتلهم وهم يصرخون بحثًا عن الطعام والملجأ تتجاوز الحديث عن الشرعية الطائفية أو السياسية. ولا شك في أن ادعاء الحقيقة والشرعية شيء، وامتلاكهما شيء آخر.
يتطلّب الوضع شيئًا لا يقل عن خطة طارئة أو عمل إقليمي، يُدعَم بتأسيس كيانات جديدة لتنفيذ السياسات المتفق عليها، وتوزيع المصادر الضرورية لمعالجة التحديات الرئيسية. وعلى هذه الكيانات أن تهتم، أساسًا، بإدارة أو دمج الأعداد الهائلة من المهجّرين، وإعادة بناء وتأهيل المجتمعات التي مزّقها النزاع. كما أن المنظمات الدولية المعنية بالمساعدات لن تتمكن من القيام بواجبها على الوجه الأمل إذا كانت المساعدات المقدَّمة مشروطةً.
يتعيّن علينا، إذن، أن نلتفت إلى أنفسنا، لأننا لا نفتقر إلى الوازع الأخلاقي أو الوسائل المادية كي نساعد بعضنا. فمن المنطقي أن تكون أفضل طريقة لمعالجة التحديات الإقليمية بطريقة فعّالة هي منح الدول الأكثر فاعليةً تفويضًا كي تتجمع وتتعاون.
وبتجاهل الخطوط الطائفية التي قسّمت وقطّعت المنطقة، يمكن للمبادرة أن تبدأ بتشكيل مجلس اقتصادي واجتماعي يغطي المناطق المضطربة في سوريا والعراق والمناطق المحاذية للأردن، لبنان، وتركيا، وهي التي تتحمّل أعباء تداعيات النزاع. ولندعوها «خطة بلاد الشام».
يسعى مثل هذا المجلس، في المستوى الأول، إلى تسخير قدرات المجتمع المدني المتاحة من خلال تلك الدول في محاولة لتعظيم وتعزيز تأثيرها. قد يحتاج المسؤولون، على مستوى العمل في الحكومات، إلى التدخّل، وتقديم الدعم الذي يتأتى من تبسيط القواعد التنظيمية، وفتح الحدود والمشاركة في البيانات. وهذا لن يتأتى إلا إذا توصل قادة تلك الدول إلى توافق في الرؤية حول الحاجة الملحة للعمل.
غالبًا ما يكون الإلزام الثنائي القيد الأكثر فاعليةً على أعلى المستويات، مقاومًا أكثر الحجج إلزامًا من الناحيتين الأخلاقية أو الإنسانية. على مستوى العمل، فإن قدرًا محدودًا من الحرية، وانعدام الاستقلالية المربكة سيجعلان المؤسسات لا تخدم سوى مجموعة ضيقة من المصالح، وهذا يترك المجتمع المدني مكشوفًا ومتعثرًا.
إن طريق الخروج هو عبر التحرر، ليس من خلال التأكيد المكلف والعبثي على الإرادة الشعبية التي طبعت ما يسمى بالربيع العربي، بل بتحرير العقل والروح. لقد اعتمد إقليم غرب آسيا، ولفترة طويلة، على القوى الخارجية، الغرب بشكل رئيسي، الذي استغل بدوره مرض الثنائية السائد في المنطقة لإدارة حروبه بالوكالة.
وكان شرق آسيا، بالمثل، قد عانى معوّقات في السنوات الأولى من الاستقلال بسبب الآثار السلبية للحرب الباردة. لكن خلال عقد الثمانينيات حدث شيء مشهود: الدول التي كانت تقف في مواجهة بعضها بإيعاز من دول أخرى، أو بسبب عداوات قديمة، نحّت جانبًا خلافاتها بهدف معالجة التحديات المشتركة للأمن والازدهار. كيف حدث هذا؟ يمكن القول لأنها اختارت وضع قدرتها على التحمّل فوق النزاع. اختارت الازدهار بدلاً من الاعتماد على المساعدات الخارجية بشكل كلّي.
قد يزعم المتشككون بعدم إمكانية تحقيق ذلك في غرب آسيا: عقود من الانقسامات الطائفية فاقمت من الانقسام الجيوسياسي، والمأساة اليومية الناتجة عن الإرهاب العنيف وعرقلة الجهود يُنظر إليها ببساطة على أنها جزء من المشهد، بمعنى أنها منطقة لا يمكن جمع شملها على الإطلاق. ورغم ذلك، تمكنوا في شرق آسيا من تحقيق الأمر. الخمير الحمر قتلوا قرابة مليوني شخص في فترة لا تزيد عن أربع سنوات، ومع ذلك تعاونت الدول المجاورة لكمبوديا مع المجتمع الدولي لجمع شتات البلد في أقل من عقد من الزمان. يمكن تحقيق شيء مماثل لهذا بثلاث خطوات مباشرة نسبيًا:
عقد قمة رفيعة المستوى للقادة تُخصص لبند وحيد هو تأسيس مجلس اقتصادي اجتماعي للمنطقة تحت إطار اتفاق بين الحكومات. يعقب القمة مباشرةً اجتماع تعهدات يشمل الحكومات والقطاع الخاص.
بعد تشكيل المجلس، يقوم فريق من الخبراء، الذي يُعيّن من قبل الدول الأعضاء في المجلس، بتشكيل مجموعات للعمل في مجالات الاهتمام ذات الأولوية. ليس هناك ما هو معقّد بشأن العمل الإقليمي، فهو يتبع عادةً منطق النشاط الإنساني الجماعي، أي السعي للخير العام ومنفعة الأجيال المقبلة. لقد حان الوقت لتطبيق هذا المنطق على غرب آسيا.