جلد الذات !
لست مع ترسيخ هذا المصطلح عند التعبيرعن وصف المنتقدين لأداء الحكومة ، أو الذين يمكن أن يشوهوا صورة الدولة عن قصد ، أو عن غير قصد ، أو أولئك الذين يرون السيئات ويصرفون النظر عن الايجابيات ، في وقت تواجه فيه الدولة تحديات كبيرة نتيجة الوضع السائد في المنطقة .
جلد الذات مصطلح نفسي يوصف به الشخص المريض الذي يفقد القدرة على مواجهة الأزمات ، وييأس من المستقبل ، ويفقد القدرة على التركيز ، وينعزل بأرقه وقلقه وتوتره وكآبته وكوابيسه ، ويجلد نفسه ويعاقبها نفسيا وبدنيا ، نتيجة فشله في تحقيق هدفه في أمد قصير ، دون تخطيط ولا مثابرة ولا جهد يستحق عليه النجاح .
إذا تحول هذا المرض من شخص إلى مجتمع بأكمله ، فتلك كارثة حقيقية ، فهل مجتمعنا يجلد نفسه ، وهل هو غير قادر على مواجهة الأزمات ، فاقد للأمل والرجاء بالحاضر والمستقبل ؟ الجواب لا وألف لا ، إنه في الحقيقة دائم الحركة في جميع الاتجاهات ، معاناته ناجمة عن كده وجهاده في سبيل حياة فضلى ، يجد نفسه فيها قد وجد فرصة عمله ، وأنشأ أسرته الصغيرة ، وعلم أبناءه ، ووفر لهم الحد المعقول من العيش الكريم .
تلك هي الصورة في حدودها الطبيعية ، وفي المجتمعات كلها من هم فوق أو تحت تلك الحدود ، ولكن طبيعة المجتمع وعاداته وتقاليده تلعب كذلك دورا مهما لجعل الحالة العامة عند حدودها الطبيعية ، فتنشط الهيئات والمؤسسات والجماعات لكي تخفف من المعاناة ، خاصة في ظروف غير طبيعية كتلك التي يمر بها بلدنا حاليا ، نتيجة الأوضاع السائدة في المنطقة .
جلد الذات ممارسة خاطئة يقوم أو يوصف بها أشخاص ينتقدون الوضع بنوع من المبالغة والشطط ، ولكن قد يكون من بينهم منتمون إلى درجة عدم الفصل بين شؤونهم الشخصية والعامة ، وهم بذلك مدعوون إلى استخدام نقد الذات بدل جلدها ، لأن نقد الذات موقف إيجابي نكتشف عن طريقه مواطن الضعف والقوة بشكل موضوعي ، ويقودنا إلى معرفة وتشخيص السلبيات لمعالجتها ، والإيجابيات لتعظيمها ، وإلى تحديد أهدافنا بناء على تفكير وتخطيط إستراتيجي ، يتبعهما إدارة إستراتيجية، وقدرة فائقة على الثقة بالنفس وإدارة الأزمات ومواجهتها ، والوصول إلى الأهداف رغم العقبات والتحديات .
أدعو إلى التقليل من استخدام مصطلح جلد الذات حتى لا يتحول إلى مصطلح عام ، وأنادي أولئك الذين يتوجب عليهم المكاشفة والمصارحة أن يقوموا من جانبهم بتعزيز مفهوم نقد الذات ، وأن يبادروا إلى تقديم الإيجابيات وشرحها والإقناع بها ، حتى لا يكون أثر جالدي الذات أكبر من أثرهم ، وتلك في رأيي مسألة ملحة ، لا ينبغي التقليل من أهميتها ، لأن أدواتها كثيرة ومتنوعة وضارة جدا !